كان السلف حريصين على هذا الأمر، قال طاوس:[لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج].
وقال إبراهيم بن ميسرة: قال لي طاوس: [تزوج أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لـ أبي الزوائد، ماذا قال له؟ قال: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور] أنت لماذا لا تتزوج؟ إما أنك عاجز أو فاجر، ولذلك كانوا يشددون في المسألة.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: لو كان بشر بن الحارث تزوج لتم أمره.
وقيل لـ أحمد: مات بشر، قال: مات والله وما له نظير إلا عامر بن عبد قيس، فإن عامراً مات ولم يترك شيئاً، ثم قال أحمد: لو تزوج؟ فكان عندهم أن الشخص غير المتزوج فيه نقص، هذا مع نظافة مجتمعهم وسلامتهم من كثير من الآفات الموجودة في مجتمعنا.
ثم إن الزوجة الصالحة لا شك أنها من السعادة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن ثلاث من السعادة وأربع من الشقاء، فمن ذلك: المرأة تراها فتعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، وأخبر عن أربع من الشقاء: المرأة السوء، كما أخبر عن أربع من السعادة المرأة الصالحة، بل إن هذه الدنيا الملعونة الملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، هذه الدنيا التي هي المتاع خير متاعها المرأة الصالحة، فإذاً المرأة الصالحة مستثناة من هذه الدنيا الملعونة.
فهذا خير ما يستفيده المرء من دنياه، زوجة مؤمنة تعينه على أمر دينه ودنياه.
بل إن النكاح من أسباب الغنى، قال الله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:٣٢] هذا ما نصح به بعض السلف رجلاً أصابته الفاقة فأمره أن يتزوج لما في هذه الآية من الوعد، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بعون الناكح الذي يريد العفاف، إنه الغنى الذي يغنيه الله من فضله الذي يشمل غنى النفس وغنى المال.
وكذلك فبالنكاح يأتي الولد الذي إذا صار صالحاً نفعك وأنت في قبرك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) لو بكر بالزواج فأنجبت له ولداً صالحاً فرباه لو مات يموت مطمئناً بأن له ولداً من بعده يدعو له، بخلاف الذين يتأخرون في الزواج فيموتون وأولادهم صغار يتامى ليس لهم أب يربيهم، وهذا يمكن أن يحدث لأي أحد، لكن لا شك أنه يحدث للذي يؤخر الزواج أكثر من الذي يحدث للمتزوج.