للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيجاد أوساط إيمانية لتربية الناس]

أيها الإخوة: لابد أن نتهم بإيجاد الأوساط الإيمانية التي يتربى فيها الناس، ولا بد أن تُطعم هذه الأوساط بتلك النماذج البشرية ذات القلوب الحية، وذات الاستعدادات الإيمانية القوية التي تُؤثر فيمن حولها، وتصلح أن تكون قدوات عظيمة في هذا الجانب، وإنك لو نظرت في حال الأفراد لوجدت أنهم يتأثرون من الأوساط التي يعيشون فيها، فإذا وجدت الفرد متعلقاً بالدنيا، فإن الوسط الذي يعيش فيه غالباً فيه ميل إلى الدنيا، وتجد الفرد ذا الإيمان القوي إذا نظرت في الوسط الذي يعيش فيه، فإنك تجده غالباً وسطاً إيمانياً مشحوناً بتقوى الله سبحانه وتعالى وبتلك النماذج التي أوجدت مثل هذا الرجل، وللوصول إلى هذه النتائج لا بد من هذه المقترحات وإلا فإن الكلام فيها طويل: دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كيف كان إيمانهم، وكيف كانت عبادتهم، وكيف كان زهدهم وورعهم، وكيف كان حالهم وموقفهم من الدنيا، كيف صبروا على العذاب، وكيف قاتلوا وقُتلوا، فإن تدارس السيرة يرقق القلب، ودراسة قصص المحن التي عاشها السلف من بعدهم مثل: محنة الإمام أحمد، ومثل: محنة الصحابي عبد الله بن الزبير، ومحنة الإمام أحمد بن نصر الخزاعي، وغيرهم من أئمة الدعوة إلى الله.

ودراسة الكتب التي تتكلم عن أعمال القلب مثل: كتب ابن القيم رحمه الله عموماً، وبعض رسائل ابن تيمية رحمه الله مثل: التحفة العراقية وغيرها من الكتب التي تتكلم عن أعمال القلوب، واللجوء إلى خبراء القلوب من علماء السلف ومن جاء بعدهم لمعرفة أمراض القلوب وعلاجها مثال: كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، ودراسة كتب الترغيب والترهيب، وعندما نقول دراسة لا يعني مجرد قراءة، بل دراسة تفكير وتدبر ومناقشة، وطرح الأشياء طرحاً عملياً.

لماذا دراسة كتب الترغيب والترهيب؟ ما علاقتها بتجديد الإيمان في القلب؟ لأن دراسة كتب الترغيب والترهيب تعرف الإنسان بثواب الأعمال الصالحة لتكون دافعةً للعمل، وتعرفه عقاب الأعمال السيئة لتكون دافعةً إلى ترك الأعمال السيئة، ولقد اهتم السلف اهتماماً عظيماً بهذا ومن جاء من العلماء، فهذا المنذري رحمه الله يُؤلف مجلدات في الترغيب والترهيب.

والنفس البشرية مفطورة على حب الثواب وخوف العقاب، وأما ما زعمته الصوفية من أنهم يعبدون الله لا خوفاً من ناره، ولا رغبةً في جنته، فإنهم ضالون مخالفون لمنهج سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يدعو الله أن يرزقه الجنة، ويدعو الله أن يجنبه النيران، وأما ما زعمه بعض أهل التصوف من قولهم: ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، فإنه مذهبٌ ضالٌ، وبعض هؤلاء الضلال لما مرَّ بقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء:١٨ - ١٩] قال: فأين من يريد الله؟ سبحان الله العظيم! الآية تتكلم عن من يريد الحياة الدنيا ومن يريد الآخرة، قالوا: لا هذه، ولا هذه، الدنيا لها أهل والآخرة لها أهل، ونحن أهل الله.

انظر إلى السفاهة، وإلى الانحراف، وإلى تلبيس إبليس، وإن معرفة الثواب يعين على إتيان الطاعات ولا شك، نضرب مثالين فقط: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده، غُرست له نخلةٌ في الجنة) حديثٌ صحيح، لما تعلم أنه تغرس نخلة في الجنة لمجرد أن تقول: سبحان الله وبحمده، ألا يدفعك هذا إلى التلفظ بهذا الذكر؟ مثال آخر: عن أم هالة بنت أبي طالب، قالت: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني قد كبرت وضعفت، فأمرني بعملٍ أعمله وأنا جالسة -هذا للنساء والرجال كذلك- قال: (سبحي الله مائة تسبيحة فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميده تعدل لك مائة فرس ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكبري الله مائة تكبيرة، فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة -التي تُهدى في الحج- وهللي الله مائة تهليلة) قال ابن خلف: أحسبه قال: (تملأ ما بين السماوات والأرض، ولا يُرفع يومئذٍ لأحد عملٌ إلا أن يأتي بمثل ما أتيت به) قال الألباني: هذا إسناده حسن، ورجاله ثقات كما في السلسلة الصحيحة.

فإذا معرفة الثواب يحفز النفس، وهي مجبولة على هذا، وكابر أهل الانحراف أم لم يكابروا فإن النفس مجبولة على هذا.