لما كان يوم بدر وقف سعد بن معاذ رضي الله عنه موقفاً مشرفاً في لحظة من لحظات الحرج، أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم العهد والميثاق من الأنصار أن ينصروه في المدينة، ولم يأخذ منهم العهد والميثاق أن ينصروه عندما يخرج من المدينة، فلما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بهؤلاء النفر الذين معه لاعتراض قافلة، تحولت الأمور فتغيرت من اعتراض قافلة إلى معركة مع جيش قدره ألف رجل من المشركين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعرف ما في نفوس الناس الذين معه، كان يريد أن يتأكد من الأنصار هل سيقفون معه خارج المدينة، أم أنهم واقفون معه وناصروه داخل المدينة فقط؟ فوردت روايات عن ابن مردويه من طريق محمد بن عمر بن علقمة بن وقاص الليثي، ومرسلٌ آخر عند ابن عائد، ومرسلٌ آخر عند ابن أبي شيبة يقوي هذه الأسانيد بعضها بعضاً، وقد صحح الشيخ/ ناصر هذا الموقف، فقال الراوي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بـ الروحاء خطب الناس، فقال:(كيف ترون؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله! بلغنا أنهم بكذا وكذا قال: ثم خطب الناس، فقال: كيف ترون؟ فقال: عمر مثل قول أبي بكر، ثم خطب الناس، فقال: كيف ترون؟ -الرسول يريد الأنصار أن يتكلموا، الرسول يعرف أن المهاجرين عندهم استعداد للقتال- فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله! إيانا تريد؟ فوالذي أكرمك، وأنزل عليك الكتاب، ما سلكتها قط ولا لي بها علم، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولعلك أن تكون خرجت لأمرٍ وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك، فامض، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت) فنزل القرآن على قول سعد {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}[الأنفال:٥].
وذكر الأموي هذه الرواية وزاد فيها:"ما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت" تصور! الذي تأخذ منا أحب إلينا من الذي تتركه لنا، وما أمرت به من أمرٍ فأمرنا تبعٌ لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك، موقف جريء في لحظة حرجة، سعد بن معاذ يقرر الموقف الآن ويقول للأنصار الذين معه: إن هذا الموقف يجب أن يكون موقفهم جميعاً، فيقول عن نفسه ونيابةً عن قومه: إننا خارجون معك يا رسول الله.
كان لهذا الموقف أثر عظيم من آثار الصمود والانتصار لدين الله تعالى؛ مما نتج عنه انتصار المسلمين في غزوة بدر التي سماها الله تعالى يوم الفرقان، فرق الله بها بين الحق والباطل.