وأما الإنكار فهو يقابل المعرفة كما أن التكذيب يقابل التصديق، وأما كلام الأئمة حول كفر الجاحد والمكذب والمنكر فقد أجمعوا على كفر من أنكر فريضةً من الفرائض الظاهرة المتواترة، أو كذب حكماً من أحكام الله الظاهرة المتواترة، وكلامهم هذا منتشر في كتب العقائد والأحكام.
وطرح هذه القضية في هذا الزمان مهم جداً جداً؛ لأن سوق التكذيب والجحود الآن، وسوق استحلال الحرام ومعاندة الله في أحكامه سوق رائجة، وأصبح إعلان الكفر -الآن- على الملأ في الروايات والكتب وغير ذلك أمر مشاهد وهذا شيء كبير وخطير، فلا بد من توضيح قضية أنواع الكفر للناس؛ لأنهم قد يسمعونها صباحاً ومساءً، كالذي ينكر تحريم الربا وغيره من الأحكام، والمسألة الآن مسألة لها أهمية بالغة.
قال القاضي عياض رحمه الله: ونقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع، وما عرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقع الإجماع المتصل عليه كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس أو عدد ركعاتها وسجداتها.
وقال -أيضاً-: وكذلك من أنكر القرآن أو حرفاً منه أو غيَّر شيئاً منه أو زاد فيه، وكذلك من أنكر شيئاً مما نص فيه القرآن بعد علمه أنه من القرآن الذي في أيدي الناس، وهو صاحب المسلمين، ولم يكن جاهلاً به، ولا قريب عهد بالإسلام، وكذلك من أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب أو القيامة، كافر بإجماع النص عليه وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً.
وكذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش وظلم الخلق والميسر والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز واللحم والنكاح، فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
إذاً: لو جحد تحريم الزنا أو جحد حل الخبز يكفر.
أيها الإخوة: إن القضية ليست قضية أكل الخبز واللحم، يعني: هذه المسألة مسألة مبدأ: أن الله أحل هذا أم لا؟ بغض النظر ما هو الخبز، فإذا جاء إنسان وقال: لا، حرام.
هذا معاند، ومكذب لله، الله يقول: حلال.
ثم يأتي ويقول: حرام.
إذاً: هذا كافر، فليست القضية قضية خبز ولحم، فالقضية قضية المعاندة وإنكار الأحكام الشرعية، والإصرار على مضادة حكم الله ورسوله، وهذا التكذيب يكفر من هذا الباب.