وكذلك ينبغي على من كان له الأمر ألا يولي من طلب المنصب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(اتقوا الله، فإن أخونكم عندنا من طلب العمل) العمل: يعني: الرئاسة والإمارة أو طلب المسئولية، قال:(اتقوا الله، فإن أخونكم عندنا -يعني: هذا متهم بالخيانة- من طلب العمل) العمل أو العمال: كان الخلفاء يوظفون العمال على البلدان، فيقال: عمر استعمل عاملاً أو جاء عامله الذي في البصرة يعني: من وكله بأمر البصرة وجعله أميراً عليها، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن:(اتقوا الله، فإن أخونكم عندنا من طلب العمل) وقال عليه الصلاة والسلام: (إنا لن نستعمل على عملنا من أراده) فمن المعجلات لشقاء هذا الشخص الذي عنده هذه النزعة: أنه إذا جاء يطلبها لا يعطاها، يمنع منها:(إنا لن نستعمل على عملنا من أراده).
وعن أبي موسى قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل؟ اجعلنا أمراء على بعض ما ولاك الله عز وجل من المناطق، وقال الآخر مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه).
وكذلك على المربين مراقبة النوازع هذه عند من يربونهم، فلا يسمحون لمن طلب أمراً من هذه المسئوليات التي يتحملها إلا إذا كان عن شيءٍ شرعيٍ صحيح.
وعن أبي بردة قال: قال أبو موسى: (أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين) -وهذه الرواية الأخرى في مسلم أيضاً مع الرواية السابقة- (أحدهما عن يميني والآخر عن يساري فكلاهما سأل العمل -يعني: أعطنا ولاية- والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك بالسواك، فقال: ما تقول يا أبا موسى؟ -أو يا عبد الله بن قيس - قال: فقلتُ: والذي بعثك بالحق، ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرتُ أنهما يطلبان العمل، قال: وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته فقال: لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس فبعثه إلى اليمن أميراً عليها ثم أتبعه معاذ بن جبل).