للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خضوع الكون لمشيئة الله]

ثم أعاد التلخيص ليدخل في مسألة أخرى فقال رحمه الله: " ولما كانت كل حركة وعمل في العالم فأصلها المحبة والإرادة، وكل محبة وإرادة لا يكون أصلها محبة الله وإرادة وجهه فهي باطلة فاسدة، كان كل عمل لا يراد به وجهه باطلاً، وجميع الحركات الخارجة عن مقدور بني آدم والجن والبهائم فهي من عمل الملائكة ".

وكأنه يقول: إن كل حركة في العالم، مبعثها المحبة والإرادة، فنستطيع أن نفسر مثلاً حركات الجن والإنس والبهائم والملائكة أنهم يريدون تنفيذ ما أمرهم الله سبحانه وتعالى به، فحركات الملائكة من جعل الرياح تهب والمطر ينزل ونحو ذلك؛ لأن هناك ملائكة موكلة بالمطر وملائكة موكلة بالسحاب، وملائكة موكلة بالريح، وملائكة موكلة بالجبال، وملائكة موكلة في أمور العالم التي لا علاقة ولا قدرة للجن والإنس والبهائم على التحكم فيها.

وهذه الأشياء المخلوقة التي تتحرك إنما تتحرك في العالم خضوعاً لله، ابتداءً من ذرات أجسامنا وانتهاءً بذرات الأفلاك والسماوات، فكل الكون تدور حركته خضوعاً لله سبحانه وتعالى، وعبودية له وقهراً، حتى كفار بني آدم لا يخرجون عن مشيئة الله وتدبيره، بأي شيء؟ بكلمات الله، وهذا معنى حديث قد لا يعرف معناه الكثير من الناس، وإذا مروا به قد يمروا به مروراً سريعاً دون أن يقفوا على معناه، الآن يتبين معناه: (أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر).

فهذا الحديث ما معناه؟ أي: حتى الفجرة والكفرة يخضعون لكلمات الله التامات، ويُقهرون ويُذلون لأجل ذلك، وهذا من عموم ربوبيته وملكه سبحانه وتعالى أن أجساد الكفار وذرات أجسادهم منقادة له سبحانه وتعالى، وكل الحركات التي تسير في أجسامهم بقهر الله وتسخيره وأمره سبحانه وتعالى.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج:١٨] كثير من الناس الذين لا يسجدون لله طوعاً منقادين رغماً عنهم لله عز وجل: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:٨٣] {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:٤٤] حتى ذرات أجساد الكفار؟

الجواب

حتى ذرات أجساد الكفار تسبح بحمد الله ومنقادة مقهورة ولا يستطيع الكافر أن يدرأ عن نفسه الموت، ولا يستطيع أن يوجد نفسه، وكثير من الأشياء اللاإرادية لا يستطيع أن يفعل فيها شيئاً، ولا أن يقاومها.