[ضغط الأهل والأقارب]
ومن الأسباب التي تؤدي إلى السقوط والانتكاس: ضغط الأهل والأقارب، فبعض الأهل والأقارب من الفسقة الفجرة يهاجمون وينتقدون، وقد يصل الأمر إلى الضرب والمحاربة والمقاطعة، وإن المقاطعة تؤثر تأثيراً شديداً خصوصاً في قطاع النساء، فإن الرجل إذا قوطع قد يذهب إلى أصحابه ويخرج من بيته، ولكن المرأة المسكينة ماذا تفعل إذا قاطعها أهلها وبقيت وحيدة؟ فالضغط النفسي الذي يسبب الطوق الذي فرضه أولئك من الحصار عليها إذا ما اعتصمت بالله ولم تصبر، فإنها قد تعود وتسقط نتيجة لهذا الظرف النفسي الشديد الذي تواجهه.
والحبس وقطع المصروف، والحرمان من العطية والهبات، أو الطرد من البيت، هذه أمور يفعلها بعض أولي القرابة اضطهاداً للمستقيمين من أبنائهم في البيوت، وسلمان الفارسي رضي الله عنه قد حصل له شيء من هذا، فإنه عندما أراد أن يبحث عن الحق وعلم أبوه أن الابن سيذهب ويخرج ليبحث عن الحق قيده في البيت، وكبله بالسلاسل حتى لا يخرج، ولكن الله أنجاه، فاستطاع الهرب حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عنده في قصة طويلة صحيحة، رواها الإمام أحمد وغيره.
وقد تصل الدناءة ببعض الأقارب أن يضعوا المغريات والفتن أمام المستقيمين من أبنائهم وبناتهم، فيجلبون الأفلام السيئة إلى غرف المستقيمين من العائلة، ويضعون الصور والمجلات الخليعة داخل غرفهم.
ويصل الأمر كذلك ببعض الفجرة أن يحرم ابنته من الحجاب، وبعض الأمهات كذلك تحرم ابنتها من الخروج بالحجاب، وقد تسحب الحجاب، وقد تخفيه، وقد تستهزئ بالبنت وهي تسير في الشارع أمام الناس بحجابها.
وبلغ الأمر ببعض النساء أنها كانت لا تخرج ابنتها من البيت إلا وهي كاشفة عن وجهها وشعرها عنوة وبالقوة، فتضطر أن تخرج من باب البيت كاشفة، حتى إذا خرجت من البيت بالكلية أو من العمارة أرخت على وجهها الحجاب مرة أخرى، ولكن الدناءة تصل بتلك الأم أن تجلس على الشرفة لترى كيف تخرج البنت إلى الشارع: هل هي قد تحجبت بعد أن كشفت عن الحجاب أم لا؟ فإذا كانت قد تحجبت فإن الويل والثبور وعظائم الأمور بالانتظار بالمرصاد عند عودة البنت إلى البيت.
وقد يصل الاضطهاد بهؤلاء إلى حالة أن يخجل الأب أو الأم أو الأقارب المستقيمين والمستقيمات أمام الجيران والجارات، وأمام أصدقاء العائلة، ويقولون على مرأى ومسمع: انظروا إلى ابني، والأم تقول: انظروا إلى ابنتي فعلت كذا وكذا، إنها متشددة إنها تتحجب رغماً عني، والأب يسخر من لحية ولده ومن ثوبه أمام الآخرين في المجالس.
وقد يكرهون الولد أو البنت على السفر معهم في الإجازة حتى يعرضوه لأجواء المحنة والفتنة، وقد يصل بهم الأمر إلى منعه من زيارة إخوانه في الله، أو منعه من حضور حلقات العلم حتى ينقطع عن وسط التأثير والهداية! وقد يحاكم الوالد ولده أمام الأقارب في المجلس، ويتهمه بالجنون والوسوسة، ويقول له: إن عاقبة التدين إلى الجنون، ويقص القصص الخيالية أمام الناس في المجلس يقول: انظر إلى فلان إمام المسجد الفلاني، كان حافظاً للقرآن، عالماً، انحرف وصار يستعمل المخدرات وترك الصلاة.
وعلى فرض أن بعض هذه القصص صحيحة وهي نادرة جداً والحمد لله؛ لأن الذين جاهدوا في سبيل الله لا بد أن يهديهم الله السبيل، فيشعرونه بأن التدين وسوسة، وأن عاقبته إلى الخسارة، وأنه سيجن بعد فترة، وأنه سيصيبه الوسوسة، وهكذا ويقولون له: انظر إلى فلان التزم بالإسلام فحصل له كذا وكذا من الجنون، وفلانة التزمت بالحجاب وكذا وامتنعت عن الغناء وسماع المنكرات فحصل لها كذا وكذا من الخبط والانفصام الشخصي والمرض النفسي والعصبي، وكانت نهاية فلان في مستشفى الأمراض العصبية، كن وسطاً مثل أبيك.
وقد يصل الأمر بالاضطهاد إلى الضرب والشتم، وأب كان يتفل ويبصق على ولده وهو خارج من الدار وهو عائد إليها، وربما كنا نظن أن قضية التعذيب والتنكيل مثل الصحابة خاصة بالصحابة أو شيء، قد لا يتصور البعض، حتى سمعنا أن بعض الآباء وبعض الأهالي قد يحمي حديدة ويضرب بها على جسد ابنته مثلاً أو ابنه حتى يرغمه على ترك الاستقامة، وذكرنا كذلك أمثلة بعض الأباء قد يغلق الباب حتى لا يخرج الولد لصلاة الفجر، يغلق الباب بالمفتاح ويأخذ المفتاح معه، وبعضهم قد يضع مزيل الشعر على لحية ولده وهو نائم عداءً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم! الشاهد -أيها الإخوة-: أن هذه الضغوط شديدة، إذا ما يكن هناك صبر وإحساس بقول الله عز وجل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٢ - ٣] {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة:٢١٤].
إذاً: احتساب الأجر في هذه الأشياء مهم، وكثير من الذين صبروا نجوا والحمد لله؛ لأن الذين من حولهم يئسوا لما رأوا الثبات واستسلموا للواقع، بل إنهم بعد فترة هم الذين يتأثرون بهؤلاء المستقيمين، ويتندمون على تلك الاضطهادات والإيذاء التي أوقعوها بهم.
ومن أشكال الضغط -كذلك-: الرجل يهدد زوجته بالطلاق إذا هي تحجبت، أو تكون المرأة بعد الخطبة غير متحجبة، ثم يهديها الله عز وجل للحجاب، فتتحجب ولما يدخل بها زوجها بعد، فعندما يعلم الزوج الفاسق أن المرأة تحجبت يقول: إما أن تتركي الحجاب أو أفسخ الخطوبة! فهناك إذاً ضغوط كثيرة تمارس.
وهذه قد تؤدي في أحيان كثيرة إلى السقوط وإلى ترك الاستقامة وترك التدين نتيجة هذا الإيذاء النفسي والجسدي:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
والزوجة قد تكون فتنة لزوجها، فقد تشغله عن طاعة الله وذكر الله والعمل لدين الله، وتشغله بشراء الحاجات والاستغراق في لذات الدنيا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تعس عبد الزوجة، تعس عبد الدينار وعبد الدرهم) وبعض الأولاد يكونون نكبة على آبائهم وأمهاتهم ويشغلونهم عن طاعة الله.
هذه طائفة من الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف والانتكاس والسقوط، وهي تقريباً أسباب داخلية للنفس، وكذلك استجابات داخلية لأشياء خارجية تقع، وهناك أسباب أخرى مع طريقة العلاج، ووصف الحالة النفسية التي يعيش بها المنتكس أو الساقط؟ وكيف يكون وضعه؟ وكيف يمكن أن يعود؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عنه في الدرس القادم إن شاء الله في الجزء الثاني من هذه المحاضرة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
اللهم إنا نعوذ بك من الزيغ والزلل والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم واجعل باطننا صالحاً، وأصلح ظواهرنا، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأصلحنا ظاهراً وباطناً، واجعلنا من المستقيمين على شرعك.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.