واعلموا أيها الإخوة! أن للتوبة الصحيحة علامات، وللتوبة السقيمة المريضة المرفوضة علامات أيضاً: فمن علامات التوبة السقيمة: أنها لا تؤدي إلى الإقلاع عن الذنب، ولا إلى تعظيم الله عز وجل، بل إنها تكون غالباً لظرف دنيوي بحت، لا علاقة له بالخوف من الله عز وجل إطلاقاً.
والتائب من هذا النوع -التوبة السقيمة المرفوضة- لا يشعر أصلاً بأنها توبة، وهي ما سماه السلف بتوبة أرباب الحوائج والمفاليس، الذين يتوبون من بعض الأمور للمحافظة على حاجاتهم ومنازلهم بين الناس، فبعض الناس يتوب إما محافظة على حاله، فهذا تاب للحال، لا توبة من خوف ذي الجلال.
وبعض الناس يتوب طلباً للراحة من الكد في تحصيل الذنب، بعض الذنوب تتعب الإنسان جسدياً وذهنياً، فيقلع بعض الناس عن بعض هذه الذنوب طلباً لراحة الجسم والتفكير، كمن يخطط للاختلاس، فإن ذهنه يتعب، وكمن يخطط لتهريب الأمور المحرمة، فإنه يتعب ذهنه وبدنه، فهذا قد يقلع عن هذا الذنب، ليس خوفاً من الله عز وجل، وإنما طلباً لراحة ذهنه وجسمه، فهذا توبته مرفوضة وغير صحيحة.
أو تاب اتقاء لما يخافه على عرضه وماله ومنصبه، كقاض يقع في ذنوب كبيرة، فيتركها لأنه يخاف أن يفتضح بين الناس، أو رجل وجيه وصاحب منصب، يخشى أن يلوك الناس عرضه، وأن يتكلموا عنه في المجالس، فيترك هذا الذنب لا خوفاً من الله عز وجل، وإنما خوفاً على منصبه وسمعته، ويخاف الفضيحة بين الناس فيترك الذنب، فهذا توبته سقيمة غير صحيحة.
وأحياناً تكون التوبة لضعف داعي المعصية في القلب، وخمود نار الشهوة، كرجل زانٍ بقي يزني مدة طويلة في شبابه، فلما اقترب من سن الشيخوخة ودخلها، ضعفت الشهوة في جسمه، وذبل هذا الدافع لجريمة الزنا، فترك الزنا لا خوفاً من الله تعالى، ولا خوفاً من النار، ولا لعلمه بأن هذا أمر محرم، ولكنه ترك الزنا لأن جسمه لم يعد يقوى على الزنا، فهذه توبة سيئة لا يرضاها الله عز وجل.
أو لمنافاة المعصية لما يطلبه من متاع الحياة الدنيا، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في كون التوبة خوفاً من الله وتعظيماً له ولحرماته، وإجلالاً له وخوفاً من سقوط المنزلة عند الله والبعد منه والطرد عنه.
فهذه التوبة -أيها الإخوة- لون، وتوبة الصادقين المخلصين لون آخر.