للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقترحات في تنظيم الحلق والدورس]

لو أنا الآن عقدنا هذا المجلس من أناس متقاربين وأقران، وحتى لا تكون فوضى، قلنا: أنت يا فلان تدير هذه الحلقة، أو قام واحد من أمثلهم، قد يكون هناك فارق بسيط بينه وبين غيره في العلم، لكنه إمام مسجد، أو قارئ، أو أي شخص عنده اهتمام بالعلم، قد يكون تخصصه دنيوياً، لكن عنده اهتمام بالعلم أكثر من الآخرين لا يصلح أن يعامل الآخرين، كأنه شيخٌ كبير وهؤلاء طلاب صغار، فيحسن المعاملة، وقد يطلب من شخصٍ ما تحضير موضوعٍ قبل إلقائه، إن العلماء الكبار كانوا يُحضِّرون، الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كان وهو يدرس في كلية الشريعة أو المعهد العالي، كان يحرص على التحضير، وإذا انشغل جداً يأتي ويعترف ويقول اليوم أنا ما حضرت، نقرأ.

من الأشياء التي تقلل جدوى بعض الدروس والحلق: ألا يُحضِّر هذا الشيخ أو هذا الشخص المسئول عن التحضير، أو يتخلف عن الحضور، ومن المساوئ: أنه يجد نفسه مضطراً للكلام في أشياء لا يحسنها فيتكلم لأنه وضع بمكانة شيخ، من المساوئ أن ينقد الحاضرين نقداً مستمراً أو يقسو عليهم مما يسبب النفور، أو يجامل البعض بالسكوت على أخطائه، ويمرر أشياء ويحابي ناساً دون ناس، أو تكون الأمور منفلتة في حلقته ودرسه، فلا يهتم بتحفيظهم، وإذا لم يحفظ أحدهم، يقول: حسناً! ثم لا يهتم الحاضرون بالحفظ ولا بالتحضير ولا بالقراءة المسبقة، ثم أحياناً قد لا يعدل بينهم في المحاسبة على التقصير أو الغياب؛ مما يوغر صدور بعضهم على بعض، وأحياناً لا يكون هناك توازن في مسألة العرض، فيتوسع في أشياء أقل أهمية على حساب أشياء أكثر أهمية، تأخذ فقرة أكثر من حقها، وتهضم الفقرة الأهم أو الفقرة الأخرى، عدم الالتزام بالوقت المخصص للفقرة مثلاً، ضعف جانب القدوة من هذا الإنسان في قضية الحفظ من المساوئ والعورات الكبيرة.

ثم إن الحاضرين في الغالب يريدون الاقتداء، ينظرون للشخص أحياناً على أنه شيخ، ولو لم يكن هكذا فيقلدون، فينبغي أن يحسب لهذا الأمر حسابه، وإذا كانت القضية مدارسة جماعية كما قلنا وليس أحد منهم بأفضل من الآخرين في العلم، فلا داعي بأن يتصدر إنسان علمياً المجلس، وليس هو بأهلٍ لذلك التصدر، نعم هو قد يُقال: لا بد أن يكون هناك مقرر للدرس، كما كانوا يسمونه، مقرر الدرس مثلاً، فيبدؤه ويختمه وينتقل من كتابٍ إلى آخر مثلاً، حتى لا تصير فوضى، لكن هذا لا يفتي ولا يتعدى، وكذلك فإنه لا بد من استثمار النصوص والقصص التي تمر استثماراً تربوياً مفيداً، وتضييع مثل هذه الفرص يفوت جانباً مهماً جداً ينبغي الاعتناء به، ولذلك كلما وجد الإنسان مدخلاً لموعظة في درس من الدروس العلمية، أو تذكير بأدب أو خلق، أو واجب اجتماعي قد قصر فيه الحاضرون أو انتشر بينهم، انتهز الفرصة للتأكيد عليه، ثم إن بعض المقدمات قد تأخذ وقتاً طويلاً تضر بالفائدة من بقية المواضيع، فينبغي أن لا يكون هذا ديدناً؛ أن تجعل المقدمات مضرة بالعلم الذي ينبغي أن يُدرس أو يؤخذ.