للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف أوضاع المسلمين والأجر على قدر الصبر]

وكذلك من دروس هذه القصة: أن حال بعض المسلمين أهون من بعض، وبعض المسلمين حالهم أشد من بعض، فلما قارنت أسماء بنت عميس وضعها الذي كانت فيه هي والمسلمين في الحبشة، مع وضع عمر بن الخطاب والمسلمين في المدينة، قالت: [معكم رسول الله يطعم جائعكم] مما يأتي من الصدقات والغنائم [ويعظ جاهلكم] أي: وعندكم مصدر العلم، وكنا صابرين في دار البعداء والبغضاء، فصَبْرُنا أعظم وأشد، فالآن لو قارنت أوضاع المسلمين في العالم لوجدتها تختلف في الشدة واليسر، ومادام كل واحد في مكانه يؤدي دوراً، فالثواب على قدر النصب، فنحن هنا عندنا أموال وخيرات، وعندنا أثاث ومتاع، وعندنا بيوت وسيارات، وفي بعض البلدان لا يوجد ذلك أبداً، بل هم حفاة عراة، بل لا بيوت لهم ولا سيارات، ما وجد بعض المسلمين في الصومال إلا الأشجار يتسلق عليها من الفيضانات، ويتعلقون بأغصانها، وإذا سقط الولد انتهى، لأنه موضوع على نصف الشجرة، والمياه عميقة، ولا يمكن لوالديه أن يرداه وإلا غرقا معه، فلا يقارن وضع هؤلاء بوضعنا في بيوتنا، وفي عمائرنا، وشققنا، وفللنا، ولا صبرهم على اللأواء والشدة بصبرنا نحن؟ وكذلك من أراد منا أن يذهب إلى درس في المسجد حرك السيارة بسرعة ووصل، لكن في بلدان أخرى لا توجد معهم سيارات، والحافلات مزدحمة فلا يصل إلا بعد ساعة أو ساعات، إذاً الأوضاع ليست سواء.

وحتى بالنسبة للطعام واللباس، أحياناً الواحد يقول: كنت مرة قد أعطيت بعض الإخوان كتاب (أربعون نصيحة لإصلاح البيوت) كتيب صغير، قلت: هذا خذوه معكم إلى تلك البلاد ووزعوه، قالوا: لا توجد بيوت حتى تصلح، الناس في البراري والقفار، لا يوجد مكان يعيش فيه هؤلاء، ثم تقول: اجعل مكتبة صوتية في بيتك فيقول: لا يوجد مسجلات أصلاً ولا أشرطة وضع مأساوي! إذاً نحن قد نتكلم أحياناً في الدعوة، ونتكلم على مستوى الإمكاناتُ فيه موجودة ومتوفرة، لكن بعض المسلمين ما عندهم إمكانات مطلقاً.

وتقول مثلاً: وطالب العلم إذا ما وجد شيخاً فليسمع أشرطة المشايخ، يقول: لكن ليس عندهم مسجلات أصلاً حتى يسمعوا أشرطة مشايخ، فلما قالت أسماء: أنتم مع النبي عليه الصلاة والسلام يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، ونحن في أرض البعداء والبغضاء، الإمكانات إذاً في بلاد المسلمين تختلف، ولما صبرت أسماء بنت عميس ومن معها حازوا هجرتين بسبب صبرهم والشدة التي عانوها.

فإذاً كل مسلم يصبر في المكان الذي هو فيه حسبما تقتضيه المصلحة الشرعية، وأجره يكون على حسب صبره، وربما يكون لبعض المسلمين من الأجر أكثر بكثيرٍ مما لنا نحن؛ لأن الإمكانات لدينا متوفرة؛ من خيرات وأموال وأوضاع مادية جيدة، وألوان من الطعام والأثاث ونحو ذلك.