[حقيقة الربا خسارة]
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا هو لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، أنزل الميزان، وأنزل الكتاب ليحكُم الناس بالقسط، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: لازلنا نقول: إن معيار الكثرة والقلة يجب أن يضبط بميزان الشرع، يظن الناس أن الأكثرية على صواب، وبناءً على هذا قام مذهب الديمقراطية الأرضي، ولكن الله يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣].
إذاً مبدأ الأكثرية لا يعني دائماً أن الحق معه، بل في الغالب أن الناس إذا تركوا إلى شهواتهم، فإن أكثرهم يختار الباطل، كما ذكر الله في كتابه، فليست الأكثرية دليلاً على الحق ولا على الصواب، لأن الناس في الغالب عبيد لأهوائهم وشهواتهم.
مسألة الربا في المنظار الدنيوي زيادة وكثرة، وفي المنظار الشرعي قال عليه الصلاة والسلام: (الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل) حديث صحيح.
أي بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك، وإن كان الربا زيادة في المال عاجلاً، فإنه يئول إلى نقص ومحق آجل.
وروى هذا الحديث ابن ماجة بلفظ: (ما أحد أكثر من الربا، إلا كان عاقبة أمره إلى قلة) ينقص مال المرابي ويذهب ببركته.
عندنا في الميزان الدنيوي وفي المنظور البشري المليون (٧٠%) فيها زيادة سبعين ألفاً، قلت لرجل: أين فلان؟ قال: مقيم في الخارج، أينفق عليه أبوك؟ قال: لا.
قلت: من ينفق عليه؟ قال: عنده ملايين الريالات يضعها في الخارج في البنوك، ويعيش من فوائدها، ينقلها بين المصارف أيهم يعطيه أكثر، وهو مرتاح البال، المال مضمون والفوائد تأتي، ويعيش في الخارج، يضع (٧.
٠٠٠.
٠٠٠) ملايين مثلاً في البنك، يأتيه في السنة نصف مليون، ينفق في كل شهر (٤٠.
٠٠٠) ألف ريال ما يحتاج أكثر من هذا.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:٢٧٥] والنبي صلى الله عليه وسلم بين عذابهم في البرزخ: (رجل يسبح في نهر الدم يأتيه شخص يلقمه حجراً، فيسبح ويعود ويلتقم الأحجار واحداً وراء واحد) وفي الآخرة يحارب الله تعالى ولا قدرة له بمحاربته، والله تعالى سيحربه ويغلبه وإلى جهنم وبئس المهاد، مع أنها في الدنيا وفي المنظور البشري زيادة مضمونة، ورأس المال مضمون وكل شيء مريح.
مسألة العلم الشرعي، كلمة العلم عند الناس، إذا قلت: هذا قسم علمي، وهذه جامعة علمية، إلى أي شيء تنصرف أذهانهم؟ إلى العلم الدنيوي، أي: عالم ذرة، أو عالم فلك، أو عالم فيزياء، جامعة علمية، أي: هندسة أو طب، قسم علمي، أي: فيزياء وكيمياء ورياضيات، لكن هذه العلوم عند الله ظاهرية، قال الله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧].
العلم الحقيقي إذاً هو العلم بالله وبالآخرة، وهذا الذي يُصلح السلوك، لكن علم الذرة والفلك لا يصلح السلوك، ولا يجعل صاحبه يعمل لليوم الآخر.
هؤلاء المخترعون الغربيون كم منهم أسلم؟ قلة نادرة، الباقون اخترعوا وإلى جهنم وماتوا على الكفر، مع الأخذ ببقية الضوابط الشرعية من بلوغ الدعوة إلى آخره.
إذاً العلم الحقيقي، والمستوى العالي من العلم، والعلم النفيس، هو العلم بالله وآياته وسنة نبيه واليوم الآخر، هذا هو العلم، الفقه في دين الله تعالى هو العلم، مع أنك لا ترى الناس عندهم هذا المفهوم بشكل واضح وصريح.