إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا زلنا نؤكد ونتكلم يا إخواني على أهمية القرآن الكريم كمصدر من التصورات والمفاهيم والموازين التي يزن بها المسلم ما يعرض له في حياته، هذا القرآن الذي شكى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه ما لقي هذا القرآن من الهجران:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[الفرقان:٣٠] أعرضوا عنه وكذبوه، وخالفوه وهجروه ولم يعتمدوه مصدراً لأخذ التصورات الإسلامية التي عليها يسيرون، وبنورها يستضيئون، وبقوتها يواجهون.
وأسرد لكم في هذه الخطبة أربعة من التصورات الأخرى، أفصل في واحد منها.
من التصورات القرآنية المهمة، والمفهومات القرآنية العظيمة؛ مفهوم رد الشائعات والأمور إلى أولي البصيرة من أهل العلم والعقيدة، وعدم نشر الاضطرابات وإثارة البلبلة في صفوف المؤمنين، قال الله عز وجل:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً}[النساء:٨٣] تنشأ أخبار كثيرة وتنتشر شائعات عظيمة، وتحصل الاختلافات في مسائل متشعبة في حياة المسلم إلى أولئك الذين يثيرون البلبلة، وينشرون هذه الأشياء بغير علم وبغير بصيرة، ينشرون الشبهات بين الناس، وليس عندهم رد قوي عليها، يثيرون المسائل العلمية، وليست لديهم أجوبة قاطعة أو واضحة عليها، ينشرون الأخبار التي تفرق صفوف المسلمين، وتشتت شملهم، وتثير الخوف والرعب في نفوسهم، إلى هؤلاء يوجه القرآن هذا التصور الذي يجب أن ترجع فيه الأمور إلى أهلها، وتوضع فيه الأمور في نصابها {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:٨٣] لأنه لا زال والحمد لله بين المسلمين من يوضح الحق ويبطل الباطل، الرجوع إلى أهل العلم والبصيرة وعدم التشدق والتكلم في الصفوف وفي المجالس.