[سبب وجوب النفقة على الزوجة]
وما هو سبب النفقة على الزوجة؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أن سبب وجوب النفقة على الزوجة، أنها محبوسة عند زوجها بحبس النكاح، ممنوعة من الخروج للاكتساب؛ لأنها إذا كانت محبوسة عنده، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإنهن عوان عندكم) ولا يجوز لها أن تخرج إلا بإذنه، فمعنى ذلك أنها لا تستطيع أن تخرج لتكتسب إلا بإذنه، وهي محبوسة لحقه، متفرغة لشأنه وأولاده وبيته.
فإذاً لا بد أن تنال كفايتها، وكل من كان محبوساً على أمر من الأمور بحيث يشغله هذا الأمر عن النفقة على نفسه، فإنه يُفرض له من بيت المال، كالقاضي والمفتي ونحوهم، إذا فُرِّغوا لأجل مصالح المسلمين، وجب أن يعطوا من بيت المال النفقة عليهم.
وكذلك المرأة محبوسة عن النفقة، أسيرة في بيت زوجها، فكان لا بد له أن ينفق عليها.
وذهب بعض أهل العلم -أيضاً- إلى أن سبب نفقة الزوجة على زوجها التي يجب أن يسلمها إياها هو تسليم نفسها إليه، وتمكينه تمكيناً تاماً من الاستمتاع بها، فإذا كانت الزوجة قد سلمت نفسها لزوجها وجب على زوجها أن ينفق عليها.
وقال العلماء: إذا بذلت الزوجة تسليم نفسها البذل التام، بألا تسلم في مكان دون آخر، أو بلد دون آخر، بل بذلت نفسها لزوجها، وخلَّت بينها وبينه؛ بحيث يستمتع بها متى شاء، فإنه يجب عليه أن ينفق عليها.
إذاً: إذا سلَّمت نفسها للزوج وجب الإنفاق.
فلو قال قائل: أنا عقدت على امرأة وهي عند أبيها، ولم تسلِّم نفسها بعد، هل يجب علي أي نفقة؟
الجواب
لا.
لأن النفقة لا تجب إلا عند تسليم الزوجة لنفسها، فإذا سلمت نفسها، فإنه يجب على الزوج أن ينفق عليها.
وكذلك فإن العقد الصحيح سبب لوجوب النفقة، لأن العقد الفاسد ليس فيه نفقة، ولا يجب على الزوج أن ينفق عليها، ولذلك بعض الذين يسافرون إلى الخارج، ويقترفون المحرمات، ويفعلون الفواحش، ثم ترسل له الزانية بصورة البنت أو الولد قائلة: أرسل النفقة! هل عليه نفقة؟ ليس عليه نفقة؛ لأن هذا زنا وليس بزواج، وهذه البنت ليست ابنته، بل هي بنت الزانية تُنسب إليها، ولذلك لا نفقة لها، ولا لمن يأتي من الزنا، فالنفقة من النكاح الصحيح، وليس من النكاح الفاسد.
وكذلك فإن الزوجة إذا نشزت وامتنعت عن تسليم نفسها لا نفقة لها، فتسليم الزوجة نفسها للزوج في نكاح صحيح، وحبسِها لنفسها في بيته هو سبب النفقة.
فإذاً: لا يجوز للزوجة أن تمتنع عن تسليم نفسها لزوجها بدون سبب شرعي، وعليها أن تخلي بين نفسها وبين زوجها، وفي هذه الحالة تستحق النفقة، وإذا امتنعت عن الذهاب معه إلى بيته، فليس لها نفقة.
وينبغي أن يكون تسليمها لنفسها حقيقياً بأن تأتي إلى بيته، فإذا زفت إليه -مثلاً- تم التسليم، كما يُعتبر التسليم حاصلاً حكماً إذا كانت مستعدة للانتقال إلى بيته في أي وقت شاء؛ لكنه هو الذي أخر هذا الانتقال، فهي إذاً جاهزة من أجله، فهنا يجب عليه النفقة.