ومن أسباب ترك المنهجية في الطلب: استعجال النتيجة، فبعض الناس يتصورون أنه لا بد أن يحصل المسائل ويجمع الأشياء في مدة قليلة، وأنه يستطيع أن يفعل ذلك، وخصوصاً إذا بدأ طالب العلم بدراسة علوم الآلة، ودراسة علوم الآلة لا تُشْعِر الدارس أنه قد حصَّل علماً كثيراً؛ لأنه يدرس أشياء في المصطلح والأصول والنحو، لا يحس أنه قد جمع وحفظ ووعى مسائل، ويحس أن دائرة معلوماته قليلة، وفي الجانب المقابل ينظر إلى الفوضوي الذي لا يدرس على أصول، ولا على منهج، ولا يدرس مثلاً علوم الآلة إنما يفتح الكتب فقط ويقرأ، ويجمع من هنا ومن هنا، فتحدث في خلال النقاشات أشياء تُشْعِر الشخص الدارس على منهج والذي يبدأ بدراسة علوم الآلة أن الشخص الفوضوي الآخر أحسن منه، وأنه جمع ما لم يجمع، وحصَّل ما لم يحصِّل، فيتأسف ويقول: لا فائدة إذاً من هذا المنهج الذي لم يزِدْني شيئاً؛ لكن ليعلم أنه بعد سنوات عندما يقارن نفسه وقد أسَّس نفسه بالآخر الفوضوي الذي يقرأ مما هبَّ ودبَّ أنه يكون أحسن وأوعى وأحفظ وأضبط، وأكثر جمعاً للمسائل في النهاية، وقد تشابكت عنده أطراف العلم، وتشابكت عنده الخطوط وتقاطعت، فترسخت هذه الأمور في نفسه.
ولا يصلح أن تشعرك النقاشات مع بعض الفوضويين وتحس أن عندهم أشياء وأطراف بحيث ينبغي عليك أن تترك المنهج؛ لأنه لم يفِد ولم يؤدِّ إلى تحصيل أشياء كثيرة في وقت قليل، وأصحاب التجميعات هؤلاء ما عندهم أسس ولا قواعد، ولذلك يصعب النقاش معهم، وكثير من الشباب يتركون المنهجية من أجل القفز، والعجلة من الشيطان، من أجل القفز، يقولون: إذن نحصل العلم بسرعة، ونأخذ ونقرأ الكتب الطويلة، وهم ما بدءوا بالكتب الأساسية، والعلم لا يأتي بسنة ولا بإتمام منهج (البكالوريوس) في العلوم الشرعية، وإنما لا بد أن يصبر الإنسان حتى يحصِّل، ومن صبر ظفر.