ثاني عشر: من الأسباب التي تدعونا إلى سلوك طريق التربية: أن التربية تهذب الغرائز، وتصرف الشهوات في طرقها المباحة، لا يوجد إنسان إلا وتوجد فيه غرائز، ولا يوجد إنسان إلا وعنده شهوات، ولكن هذه التربية الإسلامية تجعل الشهوة تنصب في الموضع المباح، وتهذب هذه الغريزة لتكون منضبطة بضوابط الشريعة.
أيها الإخوة: لم تتفش في البشرية شهواتٌ مثلما تفشت في هذا العصر قط، وأنواع الإغراءات والإغواءات لا تكاد تنتهي أبداً، وفي كل يوم يخترع لنا اليهود وأذنابهم من طرق إثارة الشهوات البهيمية ما لا ينتهي حصراً وعداً، كل يوم طرق جديدة كل يوم مجلات جديدة كل يوم صور جديدة، وأفلام جديدة، ومسلسلات وأمور لهدم الأخلاق، وإثارة الشهوات، لتنطلق النفس انطلاقاً بهيمياً، فمتى يستطيع الإنسان المسلم أن يضع الحد أمام هذه الأمور وهذه الشهوات التي تنكب عليه انكباباً، وتنحدر إليه انحدار السيل في الوادي.
حدثني رجل قال: ذهبت إلى بلدٍ مجاورٍ لعملٍ من الأعمال، فنزلت في فندق، فبعد فترة رنَّ الهاتف، فرفعت السماعة، فإذا على الخط الآخر امرأة تقول: مساء الخير، كيف حالك يا فلان -باسمي طبعاً- بالتعاون مع استعلامات الفندق، لتوزيع الأسماء المنتخبة على البغايا.
كيف حالك يا فلان؟ بخير.
صاحٍ أم نائم؟ هل عندك أحد؟ لا.
أريد أن أزورك الآن.
سبحان الله العظيم! امرأة تتصل وتقول: أريد أن أزورك الآن، وفي غرفة في الفندق، في هذا الوقت من الليل، وتتأكد أن ما عنده أحد، فالرجل يعتذر عن الموعد، فيقول: لا، والمرأة تقول: لا، أنا صفتي كذا وكذا، وجسمي كذا وكذا، وتصف محاسنها، فيقول: أنا سوف أسافر الآن، فتقول: أبداً خمس دقائق وأكون عندك وسأرى كيف ستعدل عن السفر وفعلاً الرجل هرب من الحجرة؛ لأن الواقع جحيم حوله، سيئ جداً، الفندق يعج بالمنكرات، وفي هروبه شاهد المرأة المعنية التي وصفت نفسها تصعد، فحمد الله أنه سلم وهرب بجلده.
أقول أيها الإخوة: اليوم عندما ينزل بعض المسلمين من شبابنا وغيرهم في الفنادق في بعض الأماكن، وتطرق عليه ويفتح، فإذا بالفتاة أمامه، بالبغي أمامه، بالزانية تدعوه إلى نفسها، ما الذي سوف يمنعه من الوقوع في هذه الفاحشة؟! امرأة تطرق الباب وتدخل عليه، بموعد أو بغير موعد، ويحصل هذا في الفنادق في أنحاء العالم، ما الذي يعصم الشخص الآن من هذا الأمر؟ نقول: الله سبحانه وتعالى، يعصمه بأي شيء؟ ما هي الوسيلة؟ إذا لم تكن هناك تربية يربي بها الشخص نفسه ويتربى مع إخوانه يعيش مع السلف يقرأ كتاب الله ويتأثر لقصة يوسف عليه السلام، وبالرجل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فإنه سيقع ولا بد، إذا لم يحصل له هذا وتدركه رحمة الله عز وجل.
فنحن الآن نعيش في هذا العصر الذي بلغ في السوء منتهاه، فلا يمكن أن نجابه الشهوات التي تأتي إلى أبوابنا وتطرق علينا، لا نذهب نحن إليها بل هي تأتي إلينا، ولو كنت لا تريد يأتوك ويؤذوك بالقوة لا بد تفعل، لكن فما الذي يقوي هذه النفس حتى تصمد؟ إغراء كامل أمامك، فما الذي ينفع إذاً في مثل هذا الأمر؟ عند ذلك نعلم -أيها الإخوة- أنه لا بد من وجود منهج التربية، ولا بد من وجود جو التربية، ولا بد من وجود طريق يسلكه الإنسان في التربية.