[موقف زيد بن عمرو مما ذبح لغير الله]
الحديث الأول: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح).
قوله: بلدح: مكان في طريق التنعيم، ويقال: هو وادٍ، التقى فيه زيد بن عمرو بن نفيل بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، فقدّم إليه النبي صلى الله عليه وسلم سفرة قبل أن يكون نبياً؛ وهي: المائدة التي عليها الطعام، وقيل: إن السفرة كانت لقريش قدموها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقدمها هو لـ زيد بن عمرو، واللحم الذي في السفرة ذبحه القرشيون وكانوا مشركين، ذبحوه على عادتهم وهي الذبح على الأنصاب والأوثان والأصنام، فلما قدم اللحم لـ زيد بن عمرو بن نفيل رفض أن يأكله، وقال: إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم.
والأنصاب جمع نصب: وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها.
قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل مما كانوا يذبحون عليها، ويأكل ما عدا ذلك، وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه؛ لأن الشرع لم يكن نزل بعد.
فالطعام الذي قُدّم لـ زيد بن عمرو بن نفيل كان قد ذبح على النصب، وكان زيد يعلم كيف يذبحون، وكان موحداً لا يعبد إلا الله ويفهم أن الذبح عبادة، وأنه ما دام ذبح على النصب، فلا يجوز أن يؤكل لأنه شرك، وهو موحد على ملة إبراهيم، ولذلك رفض زيد بن عمرو بن نفيل أن يأكل، وكان يقول: عذت بما عاذ به إبراهيم، ثم يخر ساجداً للكعبة.
لا يعرف كيف الصلاة، ولا الركعات، ولا الأوقات، لكن يعرف أن السجود تعظيم، وأنه يعبد الله، فكان يسجد للكعبة التي بناها إبراهيم لله عز وجل، ساجداً لله عز وجل إلى جهة الكعبة هكذا كان يفعل.
فمر زيد بن عمرو بـ زيد بن حارثة والنبي صلى الله عليه وسلم وهما يأكلان فدعياه، فقال: يا بن أخي! لا آكل مما ذبح على النصب.
قال زيد بن حارثة: [فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك].
وجاء أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وكان على بقايا دين إبراهيم الذي كان في قريش، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة، وتحريم ما ذبح على النصب، فكان زيد يفهم أنه لا يجوز له أكلها؛ ولذلك امتنع عن أكلها.
وكذلك كان من أَمرِه أنه خرج يسأل عن التوحيد؛ فلقي عالماً من اليهود كما جاء في القصة وسأله، وكانت هذه القصة مما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها من زيد بن عمرو، وقال له: (مالي أرى قومك قد سبقوا عليك -أي: أبغضوك، النبي صلى الله عليه وسلم يسأل زيداً قبل البعثة- قال: خرجت أبتغي الدين، فقدمت على الأحبار فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به) لقي اليهودي قال: لن تدخل في ديننا حتى تأخذ بنصيبٍ من غضب الله، ولقي عالماً من النصارى، وفي رواية: قال لي شيخٌ من أحبار الشام: إنك لتسألني عن دينٍ ما أعلم أحداً يعبد الله به إلا شيخاً في الجزيرة، قال: فقدمت عليه، فقال: إن الذي تطلبه -التوحيد- قد ظهر ببلادك، وجميع من رأيتهم في ضلال وفي رواية: وقد خرج في أرضك نبيٌ أو هو خارج، فارجع وصدقه وآمن به- قال زيد: فلم أحس بشيء بعد.
إذاً: هذا يدل على أن زيداً رجع إلى الشام حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع به، فرجع فمات، لكنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا عندما بحث عنه في الشام، لما برز وخرج من أرضهم، قال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم.
وكان يقول لقريش: ما منكم على دين إبراهيم غيري، وفي رواية كان يقول: إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم، وكان قد ترك عبادة الأوثان، وترك أكل ما يذبح على النصب، وفي رواية ابن إسحاق أنه كان يقول: اللهم لو أعلم أحب الوجوه إليك لعبدتك به.
أي: لو أعلم أحب الطرق التي تحب أن تعبد بها، وكيفية عبادة معينة، ووجه معين من أوجه التعبد لعبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على الأرض براحته.