ففيه أن الإنسان إذا ضيق عليه في دينه فعليه ألا يبقى في مكان لا يستطيع أن يقيم فيه شعائر الدين، وهذه مسألة مهمة جداً، أن إذا وجد الإنسان بأرض لا يستطيع أن يجهر فيها أو يظهر شعائر الدين؛ فلا صلاة ولا أذان، فلينتقل عنها:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء:٩٧] فالمرء غير معذور بالإقامة في بلد لا يستطيع أن يصلي فيها أو لا يستطيع أن يقيم شعائر الإسلام فيها، فعند ذلك يتركها إلى بلد آخر أرحم وأرحب:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}[النساء:١٠٠] مراغماً يعني: يرغم أنوف الذين أخرجوه، فإن إظهار شعائر الدين مسألة مهمة؛ فهي حياة للدين، ونشر له، وإقامة لشعائره كالأذان، وإقامة الصلاة، وحتى صلاة العيدين، وعلى الأقليات الإسلامية في الخارج ألا يصلوا العيد في أماكن مغلقة، بل يخرجوا إلى الصحراء، وتخرج معهم النساء والحيض وذوات الخدور ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويكون بذلك إظهار الدين، لأن إظهار الدين يلفت الأنظار، وفعل ذلك أبو بكر الصديق، فإنه ابتنى مسجداً بفناء داره، فجعل يقرأ القرآن والناس في الشارع يمرون، فجعل أبناء المشركين ونساؤهم يتجمعون للسماع؛ لأن إعلان صوت الحق مهم في الدعوة، بل كيف يعرف الكافر أن هنا ديناً وإسلاماً إذا لم تعلن الشعائر؟ ولذلك إذا تعذر إقامة الشعائر في بلد فعلى المرء أن يهاجر وأرض الله واسعة رحيبة:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}[النساء:١٠٠] فإذا خرج إلى أرض أخرى، أرغم أنوف الذين ضيقوا عليه في ذلك البلد، حتى يتمنوا لو قتل بل ربما يندمون على إخراجه، فيقولون: ذهب من بين أيدينا.
ثم قد يلاحقونه ويطالبون به، ويريدون بأي طريقة إعادته من الغيظ الذي أصابهم حين انفلت من بين أيديهم، والله عز وجل قد تكفل بالعون لمن هاجر في سبيله، وأن يغنيه وينصره ويحميه ويحفظه، والذي يبقى تحت حكم الكفار غير معلن للدين حتى يموت أو يموت دينه، تقول له الملائكة عند الوفاة:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء: ٩٧] لماذا لم تهاجروا؟