الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً رسول الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: كيف إذا انضم إلى ما سبق: الاختلاط وقيام سوق الاختلاط بعمل المرأة مع الرجال؟ كيف إذا انضم إلى ما سبق هذه المخالطة والملابسة والقرب، وأن تجلس بجانبه أو تتكلم إليه، أو يأتي إليها، أو يخلو بها في مستشفى أو مكتب، أو يسمع الصوت بالهاتف، أو يتخذها سكرتيرة ونحو ذلك من الأعمال التي ينادي الكفرة والمنافقون بحصولها بيننا، ويرفعون عقيرتهم بأهميتها، وأنه لا بد من الحرص عليها، وتشغيل نصف المجتمع لتحطيم النصف الثاني وتخريبه، ويكون الخراب في النصفين جميعاً؟! كيف إذا صار الطالب مع الطالبة، والموظف مع الموظفة، والعامل مع العاملة؟ كيف إذا صار الاختلاط يعم؟ فماذا يحدث عند ذلك من أنواع الانغماس في الفواحش والقاذورات؟ عباد الله! قال العلماء: لا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المهلكة.
يقول ابن القيم رحمه الله:"ولما اختلط البغايا بعسكر موسى عليه السلام، وفشت فيهم الفاحشة، أرسل الله عليهم الطاعون، فمات في يومٍ واحدٍ سبعون ألفاً".
والقصة مشهورة في كتب التفسير، فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا.
هذا الكلام يقوله ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية منذ مئات السنين، يقول: من أسباب الموت العام الاختلاط.
وقد رأينا الطواعين في هذا الزمان التي تسبب الموت العام نتيجة الفواحش، فالكلام واحدٌ ومتصل من القديم إلى الحديث، وهذا الولع والانكباب على الشهوات سبب ضعف التوحيد، ويؤدي إلى العشق، والعشق هو الذي يبتلى به أصحاب الإعراض عن الله، وأما المخلصون فلا يقعون فيه، كما قال الله عز وجل عن يوسف:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:٢٤] وامرأة العزيز كانت مشركة، فوقعت -مع زواجها- فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف عليه السلام مع عزوبته ومراودتها له واستعانتها عليه بالنسوة والتهديد بالسجن، عصمه الله بإخلاصه.
إذاً: لو كان متزوجاً ولا يريد العفاف فسيقع في الحرام.
وقال عز وجل عن إبليس:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:٨٢ - ٨٣]، وقال تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الحجر:٤٢] والغي: هو اتباع الهوى.
إن الافتتان بالنساء والولع بهن يورث أنواعاً من البلايا والعقوبات، ويورث عمى لا يبصر حقارة ما يعمله ولا قبحه، كما قال عز وجل:{إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:٧٢] هؤلاء قوم لوط الذين في الفواحش، فأعماهم ذلك عن معرفة قبح ذنبهم فأدمنوا عليه، والإنسان إذا أصيب بالإدمان فمن ذا الذي يخرجه؟! والتعلق بالحرام لا يكاد الإنسان يفارقه حتى يعود إليه، ولذلك كانت عقوبتهم في البرزخ (في الفرن في التنور) الهبوط ثم الصعود، حتى إذا كادوا يخرجوا من التنور رجعوا في قعره مرة أخرى، كما جاء في حديث البخاري، أنه عليه الصلاة والسلام (رأى الزناة والزواني في تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع توقد تحته نار، فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، فإذا أوقدت النار ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا أخرجت رجعوا فيها) وهكذا لا يخرج هذا العاشق ولا المدمن على الحرام منه حتى يرجع إليه، بسبب ما فرط في جنب الله عز وجل.