ثم ننتقل معكم إلى قضيةٍ أخرى في مسألة انفكاك الأسر وانفراط عقدها وانهيار بنيانها، ألا وهو: سوء تربية الأولاد، وانعدام التربية بالكلية، أو قلتها قلة شديدة جداً.
بنت لوحدها في البيت ليس عندها أخوات تجلس عند الهاتف، وأبوها وأمها من الكبار، يتصل بها الثعبان والذئب اللئيم؛ لينساب كلامه عذباً عبر الأسلاك ليدخل إلى ذلك الذهن الخالي من الإيمان، والقلب المريض؛ لكي تصبح الشبكة قوية، وترجع من المدرسة لا تخلع (مريولها) لتجلس عند الهاتف لتنتظر المكالمة، والطائش يمدحها بألفاظ ويطيرها في السماء -وهي تنخدع بهم- ويعدها بالزواج وأنه سيفعل ويفعل وفي النهاية يقول: أعطني نسخة من مفتاح البيت، وإذا غادر أهلك خارج البيت أبلغيني، وبعد ذلك تقع الفاحشة، ويحدث المكروه، وتقوم المصيبة، وتفقد البنت أشرف ما تملك، وأعز ما لديها في نفسها وجسدها، ثم يطرق الخطاب الباب، فماذا تقول لهم؟! ويتصل الخاطب مرةً أخرى ليطالب ويطالب، ولو تابت تبقى الحسرة في نفسها، والسبب: انعدام الرقابة، وغياب التربية، وضياع الأولاد، لأنه لا يوجد متابعة من الآباء والأمهات.
بنتٌ عمرها سبعة عشر عاماً وقعت في حب الموسيقى والأغاني الغربية والأجنبية، ثم استدلت بواسطة المجلات التي تصل إلى البيت على جهةٍ أجنبية لها عنوان بريد، ثم أصبحت تراسل الجهة وتتصل، وتقول: أتمنى أن أهرب من البلد وأن ألتحق بديانتكم، وأعيش معكم، وعندي بعض العوائق المادية، لكن سآخذ من ذهب أمي وأدبر المبلغ وأهرب من البيت، سئمت أهلي وأبي وأمي، أرجو أن تساعدوني في الهروب وتستقبلوني مئات المكالمات وتأتي الفاتورة.
مراهق عمره ثلاثة عشر عاماً فقط، يسرق من محلات (السوبر ماركت) -ولا صلاة بطبيعة الحال- ونسي ما كان قد حفظه في حلقة التحفيظ التي دخلها، ويستخدم الألفاظ البذيئة والفاحشة أمام أخواته، ويضرب أمه، ويساعد في ترويج المخدرات، ويحتك بالشباب الذين ينقل إليهم ومنهم الحبوب، ويختلط بأصحاب الفواحش، وربما فعل الفواحش على سطح البيت أو سلم العمارة، وأطفأ كواية الملابس بيد أخته.
إن هذه البيوت التي نعيش فيها أمانة، ونحن قد ضيعنا كثيراً جداً والمصائب تتوالى، ووالله ليتفككن المجتمع لو لم نعد عودة صادقة إلى الاعتناء بالأسر والبيوت، وسنصل إلى ما وصل إليه الكفرة في مجتمعاتهم من التمزق والانحلال، وسيوضع كبار السن في ملاجئ العجزة في النهاية، وسينفرط عقد الأسرة، وتتمرد البنات، ويخرجن في الشوارع، وسنسير على ركب الكفرة، بل إن كثيراً من المتفرجين، من أبناء المسلمين قد ساروا على الركب فعلاً، والبوادر قد ظهرت، فهل من عقلاء يعودون عودة صادقة إلى الله لكي ينظروا إلى هذا الشتات الذي وصلوا إليه وأوصلوا إليه أولادهم وأسرهم؟ ولتسألُن يومئذٍ عما استودعتموه من هذه الأمانات التي وضعها الله بين أيديكم؛ في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، يقول كل إنسانٍ: نفسي نفسي لا أب ولا أم ولا أخ ولا أخت، تقطعت بينهم الأواصر والعلاقات، وهذا الحضور بين يدي الله في مشهد الجزاء والحساب في ذلك اليوم العظيم الذي مقداره خمسين ألف سنة نحتاج فيه فعلاً أن تكون ذكراه حية في أذهاننا؛ حتى نبدأ في تصحيح الأوضاع.
اللهم أصلح أحوالنا، اللهم أصلح أحوالنا، اللهم أصلح أحوالنا، اللهم اجعلنا بالإسلام قائمين، وأحينا بالإسلام قاعدين، وأحينا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم طهر بيوتنا من المنكرات، اللهم واجعل أسرنا مستقيمةً على شرعك يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، اللهم إن نسألك مغفرةً لا تدع لنا ذنباً، اللهم نسألك أن تجعلنا ممن يخافك ويتقيك، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.