[مذهب السلف في الصفات الذاتية]
فالآن يقول لهم: مثلاً: الإرادة، أنتم تثبتون لله يا أيها الأشاعرة، يا أيها المتكلمون؟ يقولون: نعم نثبتها لله، حسناً أليس المخلوق له إرادة؟ فيقولون: نعم، فنقول: إذاً هذا تشبيه، لماذا ما تأولون الإرادة وتنفون الإرادة أيضاً، ولا معنى أنكم تنفون الوجه لله مثلاً، وتقولون: بأن الوجه من صفات المخلوقين، وإذا أثبتنا الوجه عملنا مشابهة، فننفي الوجه، فنقول: وأيضاً الإرادة، إذا أثبتموها عملتم مشابهة، لأن المخلوق له إرادة، فانفوا الإرادة إذاً؟! لكنه مشى رحمه الله في رسالته على تقسيم المتكلمين، وفندها واحداً واحداً، فقال: في صفات المعاني التي أقروا بها، نقول لهم: وصفوا الله بالقدرة، وأثبتوا له القدرة، والله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٠] والله قد وصف المخلوقين بالقدرة، مثل قوله سبحانه وتعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة:٣٤] فأثبت لهم القدرة، وآيات أخرى أيضاً، نقول لهذا الرجل المنحرف: هأنت تثبت القدرة للخالق، وتثبت القدرة للمخلوقين، هذا تشبيه فماذا سيقول؟ سيقول: لا، للخالق قدرة تخصه وتليق به، وللمخلوق قدرة تناسبه! فنقول: قلها في اليد والأصابع والقدم والمحبة والبغض والكره، وفي سائر الصفات، فلماذا فقط أثبت هذه السبع، قال: ووصف الله نفسه بالسمع والبصر في غير آية من كتابه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:٧٥] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] ووصف بعض المخلوقات بأن لها سمعاً وبصراً! مثال: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:٢] من هو؟ الإنسان، فهل إذا أثبتنا السمع والبصر لله، وأثبتنا السمع والبصر للمخلوق حدثت مشابهة، فهل ننفي السمع والبصر عن الله إطلاقاً؟ فنحن لا نشك أن الذي في القرآن حق، فلله جل وعلا سمع وبصر حقيقيان، يليقان بجلاله وعظمته، كما أن للمخلوق سمعاً وبصراً حقيقيين، يناسبان حاله من ضعف وفقر وفناء وعجزٍ، وبين سمع وبصر الخالق وسمع وبصر المخلوق من المخالفة مثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.
وصف الله نفسه بالحياة، فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [غافر:٦٥] {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨] ووصف بعض المخاليق بالحياة فقال عز وجل: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام:٩٥] {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:٣٠] {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً} [مريم:١٥] فهل ترى يا عبد الله أن الله لما وصف نفسه بالحياة، قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] وصف بعض المخاليق أنها لها حياة، فهل إثبات هذا وهذا يستلزم تشبيه؟ لا، فلله سبحانه وتعالى حياة تليق بجلاله وعظمته، حياة دائمة حقيقية سبحانه، والمخلوق له حياة لها بداية ولها نهاية، يفنى ويعجز، ويفتقر إلى الله سبحانه.
ووصف سبحانه وتعالى نفسه بالإرادة، فقال: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] ووصف بعض المخلوقين بالإرادة، قال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ} [الأنفال:٧١] {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} [القصص:١٩]، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} [التوبة:٣٢] {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب:١٣] {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء:٩٤] إذاً أثبت للمخاليق إرادة، وأثبت لنفسه إرادة، ولا يستلزم من إثبات هذا وهذا التشبيه، فكلٌ له إرادة تناسب حاله، والفرق بين إرادة الخالق وإرادة المخلوق كالفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق.
لقد وصف سبحانه وتعالى نفسه بالعلم، فقال عز وجل: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات:١٦]، {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦] ووصف بعض المخلوقين بالعلم فقال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً} [الروم:٧] فإذاً عندهم علم، وقال: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الحجر:٥٣] {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف:٦٨] في سورة يوسف، وهو يعقوب عليه السلام.
فعلم الله سبحانه وتعالى كامل، عليم بالماضي والحاضر والمستقبل وكل شيء ما كان لو كان كيف سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، والمخلوق علمه ضعيف، لا يعلم من الماضي إلا قليل، والحاضر قليل، المستقبل لا يعلم عنه شيئاً إطلاقاً، والله قد أحاط بكل شيء علماً، فالله له صفة العلم، والمخلوق له صفة العلم مع التفاوت بينهما.
ووصف نفسه سبحانه وتعالى بصفة الكلام، فقال عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:١٦٤] {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] ووصف بعض المخلوقين بأنهم يتكلمون، مثل: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} [آل عمران:٤٦] وكذلك: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:٥٤].
فإذاً المخاليق أيضاً يتكلمون، فلا شك أن لله تعالى كلاماً حقيقياً لائقاً بجلاله وكماله، كما أن للمخلوقين كلاماً يناسب حالهم وفناءهم وعجزهم وضعفهم، والمخلوق كلامه لا يأتي إلا بعد المران، وكلامه يعتريه النقص، وبعض الناس لا يخرج بعض الحروف، وصوته ضعيف، والله سبحانه تعالى ينادي يوم القيامة، يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فشتان بين صفة الكلام لله وصفة الكلام للمخلوقين، ولا يستلزم إثبات الكلام لله أي تشابه، والفرق بين كلام الخالق والمخلوق كالفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق.
الأشاعرة مشهور عندهم إثبات هذه الصفات التي أثبتوها ويسمونها صفات المعاني، وخرجنا بأن إثبات هذه الصفات لا يستلزم أي مشابهة.