فأما عن صبره معلماً فسيأتي، وأما صبره متعلماً فلا بد أنه قد صابر نفسه كثيراً حتى وصل إلى ما وصل إليه، ومن ذلك: أنه كان يلازم شيخه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، فأخذ عنه الكثير؛ خلقاً وعلماً.
وقد حدثني أحد أولاد الشيخ السعدي: أن الشيخ محمداً كان يمشي مع شيخه عبد الرحمن حتى في طريقه إلى الدعوات التي يدعى إليها شيخه، يسأله في الطريق ويأخذ عنه، حتى يصل إلى باب بيت صاحب الدعوة، فيدخل الشيخ ابن سعدي ثم قد يرجع الشيخ محمد وقد يدخل.
وقد تأثر الشيخ محمد بشيخه عبد الرحمن جداً، وسمعت عن رؤيا له في شيخه، فسألته عنها في أحد مواسم الحج، فقلت: ذُكر أنكم رأيتم شيخكم عبد الرحمن السعدي في المنام، فسألته: ما أكثر ما نفعك عند الله بعد الموت؟ فقال: حسن الخلق، فهل هذه الرؤية صحيحة؟ فقال: نعم، غير أني لا أذكر الآن هل قال لي: تقوى الله، أو حسن الخلق، ولكن الرواية التي سمعتها جزماً من بعض طلاب الشيخ أنه قال له: إن أكثر ما نفعه عند الله حسن الخلق.
أيها الإخوة: عندما يتعلم الإنسان العلم والأدب يكون شيئاً آخر، ولابد من علم وأدب مجتمعين، وهكذا كان طلاب الإمام أحمد في درسه وحلقته يتعلمون العلم والأدب.
وقد اهتم الشيخ محمد رحمه الله بالحفظ جداً؛ وهذا الذي نفعه كثيراً، وكان يقول: قرأنا كثيراً فلم يبق معنا إلا ما حفظنا، وكان يوصي بحفظ المتون والقواعد في الفنون المختلفة، وفقه الشيخ الكتاب والسنة، ولم يكن متعصباً لمذهبٍ، ولا أسيراً لعباراتٍ معينة، والأمر كما بين شيخه عبد العزيز بن باز رحمه الله، بأنه ليس العالم الذي يحفظ مختصر خليل، ومتن الخرقي، ولكن العالم هو الفقيه بالكتاب والسنة.