[بدع ومنكرات ترافق الموالد]
ثم إن في كثير من هذه الموالد اعتقادات فاسدة ممن يحضرون، سواء كان ذلك في قراءة قصائد فيها غلو وشرك أكبر وليس بأصغر، كقصيدة البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ترك الله ويريد أن يلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وضرتها: هي الآخرة، ومن علمك: (من) للتبعيض، فماذا بقي الله إذاً؟! هذه هي قصيدة البردة التي يلهجون بذكرها، الشرك الأكبر وغير ذلك يحضرونه، ويقومون عند ذكر ولادته عليه الصلاة والسلام احتراماً وقوفاً، ويقول بعض الغلاة منهم: دخلت روحه إلى المجلس قوموا، وأن روحه تطوف بالمكان، وهذا من أبطل الباطل وأكذب الكذب.
ولو قال إنسان: نحن لا نقرأ البردة ولا نقول الشرك نقرأ سيرة ابن هشام، نقرأ في كتاب للسيرة كتاب موثوق، فنقول: عينتم يوماً أم لا؟ واحتفلتم به أم لا؟ واعتقدتم أنه قربة إلى الله أم لا؟ في يومٍ ما عينه الشارع ولا فضله ولا جعله عبادة فإذاً اجتماعكم غير مشروع حتى لو لم تقرءوا البردة ولا غيرها.
ثم تملأ البطون بالأطعمة والحلويات الخاصة، والفقراء بالحمص، ولذلك يقولون في الأمثال العامية: خرجنا من المولد بلا حمص.
وفي هذه الموالد تحصل كثير من المنكرات والمفاسد، وفي بعض البلدان استعمال الغناء وآلات الطرب، واختلاط الرجال بالنساء وهذا مشاهد ولا يمكن إنكاره، وحتى الراقصات يشاركن في ذلك، وقد قرأت في بعض الجرائد تحقيقاً صحفياً في مشاركة الراقصات في المولد والأجور التي يأخذنها، ويسمع الغناء وتصفيق النساء ويكون في الاختلاط سبب عظيم للفتنة.
الجمع بين كتاب الله والأغاني في مناسبة واحدة، الأغاني والألحان والطرب وهز الرءوس والتمايل والدف والمزهر والمزمار والدربكة وغيرها أو بعضها في مجلس ذكر، كيف يكون هذا؟! يعملون أعمال الشياطين ويطلبون الأجر من رب العالمين؟! أين هؤلاء من قوله عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:٨٣]؟ هذا هو التفاعل الحقيقي {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:٨٣] وتخرج النساء إلى المقابر متبرجات في المولد، ويصبح المولد غرضاً ومجالاً للأغراض المشينة، ويتبعونه بموالد أخرى وزيارات لقبور أخرى في بعض البلدان.
عباد الله لو خلا هذا من المحرمات وكان مجرد جلسة كما قلنا، فإن العلماء قد بينوا حكم ذلك قال ابن الحاج الإمام المالكي في كتابه المدخل: فإن خلا المولد النبوي- يعني من المنكرات والغناء وتوابعها- وعمل طعام فقط ودعي إليه الناس، دعا به الإخوان، فهو بدعة بنفسيته فقط، إذ أن ذلك زيادةٌ في الدين وليس من عمل السلف الماضية (لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً) ولذلك أكثر العالم الإسلامي- وهذه حقيقة يعترف بها- يحتفلون بالمولد.
قد عرف المنكر واستنكر المعروف في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وحدةٍ وصار أهل الجهل في رتبة
حادوا عن الحق فما للذي ساروا به في ما مضى نسبة
فقلت للأبرار أهل التقى والدين لما اشتدت الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد أتت نوبتكم في زمن الغربة
وهذا ما حصل والله، ونحن من الواجب علينا النصح والتذكير بالأسلوب الحسن والكلام الحسن {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥].
نسأل الله أن يجنبنا البدع ما ظهر منها وما بطن، نسأل الله تعالى أن يرزقنا اتباع السنة وأن يحيينا عليها وأن يميتنا عليها إنه سميع مجيب قريب.
اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم إنا نسألك نصراً تنصر به أولياءك وحزبك المفلحين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل المسلمين، اللهم رد عن إخواننا كيد الكائدين وعدوان المعتدين يا رب العالمين، كن معهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.