وكذلك انخلاع القلب وتقطعه ندماً وخوفاً من هذا الأمر العظيم.
وكذلك من موجبات التوبة الصحيحة كسرة خاصة تحصل للقلب لا تحصل بأي شيء آخر سواه، لا بعبادة ولا بغيرها.
الانكسار الذي يحدث في نفسك عند التوبة إلى الله عز وجل، هذا النوع من الانكسار لا يحدث إلا بالتوبة، إذا ما حصل هذا الانكسار وهذه الذلة أمام الله تعالى، والخجل والحياء من الله عز وجل؛ فعند ذلك تتهم التوبة.
فانكسار القلب بين يدي الرب عز وجل، كسرة تامة وإلقاؤه بين يدي ربه طريحاً ذليلاً خاشعاً، كحال عبد هرب من سيده، فأُخذ وأمسك وأحضر بين يديه، ولم يجد ما ينجيه من سطوته ولا منه مهرباً، وعلم إحاطة سيده بتفاصيل جنايته، هذا مع حبه لسيده وحاجته إليه، وعلمه بضعفه وعجزه وقوة سيده، وذله وعزة سيده، فتجتمع في هذه الحال كسرة وذلة وخضوع ما أنفعها للعبد! وما أحسن عائدتها عليه! وما أعظم جبرها! وما أقربه بها إلى سيده! فليس شيء من الأشياء يعدل هذه الكسرة، وهذا الخضوع والتذلل، فيقول ابن القيم رحمه الله: فلله ما أحلى قول القائل: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه.
هذه هي حال التائب توبة حقيقة، هذا لسانه يعبر به عما يستجيش في نفسه، وعما يختلج في قلبه من الشعور بأهمية رحمة الله وبأهمية حصوله عليها.
فما أصعب التوبة الصحيحة أيها الإخوة! وما أسهلها باللسان والدعوى! التوبة باللسان والدعاوي سهلة، لكن التوبة الصحيحة التي تجتمع فيها هذه العلامات توبة صعبة، ولكن من أقبل على الله وأخلص له، فإنه لابد أن يوفقه لهذه التوبة الصحيحة.