نعود إلى قصة وفاة أم النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها ابن إسحاق وقال: إن أم النبي صلى الله عليه وسلم توفيت وهو ابن ست سنين بـ الأبواء بين مكة والمدينة، كانت قد قدمت به على أخواله من بني علي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به من مكة، لكن مع الأسف ماتت على الشرك.
ولذلك جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:(زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.
طبعاً حاول بعض الوضاعين والكذابين أن يفتعلوا حديثاً فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام طلب من ربه أن يحيي أمه وأباه، فأحياهما له، ثم عرض عليهما الإسلام فأسلما ثم ماتا.
وحاول الصوفية وغيرهم أن يروجوا لهذا الحديث، ولكن ينبغي أن يعلم أن الميزان عند الله ميزان العقيدة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام مع عظم مكانته لكن ما نفع أباه ولا أمه وقد ماتا على الشرك، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه أعرابي قال:(أين أبي؟ قال: في النار، فولى الأعرابي منزعجاً، فدعاه فقال: أبي وأبوك في النار) رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
معناه: أن أباه عليه الصلاة والسلام مات في الجاهلية على الشرك، فهو في النار، وأمه استأذن ربه أن يستغفر لها فلم يؤذن له؛ لأنها ماتت على الشرك، ونحن عواطفنا تهفو إلى أن تكون آمنة في الجنة، وأنها آمنت وأسلمت، لكن العواطف شيء والحقائق العلمية شيءٌ آخر، فـ آمنة ماتت على الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام لأنها أمه استأذن الله عز وجل أن يدعو الله بأن يغفر لها، فلم يقره على ذلك، ولم يأذن له به.
فهذا فيه أن مسألة العقيدة ليست واسطة، وأن الإنسان لا ينفعه إلا دينه وتوحيده، وإلا فلو كان ولده أعظم نبي فإنه لا ينفعه، فهذا ولد نوح مات كافراً، وهذا أبو إبراهيم مات كافراً، وهذه أم النبي عليه الصلاة والسلام وأبوه ماتا على الكفر، فلا مجاملات في مسألة التوحيد والشرك.