للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من الإفتاء بغير علم]

وكان الذي يفتي بغير علم إثمه عظيم، قال صلى الله وعليه وسلم: (من أفتي بفتوى غير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه) لو قارنا حال الذين يتساهلون اليوم في إفتاء الناس بحال الصحابة التي ذكرناها قبل قليل، لوجدنا أمراً عجيباً، اليوم يفتي بعض الناس وهم جهلة، بل ربما يكون المجيب أجهل من السائل، يفتي بعض الناس من أتباع الهوى، ويأخذون الأموال على الفتاوى الرخيصة، لأجل إرضاء فلان وفلان، قال أبو حصين الأسدي: إن أحدكم ليفتي في المسألة، لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر، وكان ابن عمر إذا سئل قال: اذهب إلى هذا الأمير الذي تولى أمر الناس فضعها في عنقه، وقال: يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا إلى جهنم، من هو الذي يقول؟ العالم المجتهد ابن عمر رضي الله عنه، والشيء الذي يمنع بعض الناس اليوم من أن يقول: لا أدري كان لا يمنع الثقات العلماء من السلف أن يقولوا ذلك.

سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: ألا تستحي من قولك: لا أدري، وأنت فقيه أهل العراق؟ قال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: لا علم لنا إلا ما علمتنا، وهذا الإمام مالك رحمه الله تعالى، سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال: في اثنتين وثلاثين منها لا أدري، يقول له السائل: بماذا أرجع للناس، وماذا أقول لهم؟ قال: قل لهم يقول الإمام مالك: إنه لا يدري.

هذا دين {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:٥] {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:١٣ - ١٤] ولقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أفتوا رجلاً من أصحابه بغير علم، لما أصاب رجلاً شجة في سفر وأصيب بجنابة، فسألهم قالوا: لا بد لك من الاغتسال، فاغتسل فمات، فقال عليه الصلاة والسلام: (قتلوه قتلهم الله) دعا عليهم وقال: (ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال) العي والجهل شفاؤه بالسؤال.

ولقد كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سؤال أهل العلم، جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله! إن ابني كان عسيفاً عند هذا -اثنان مخاصمان- كان خادماً عند هذا، فزنا بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، أعطيته فدية لقاء ما أفسد ولدي من زوجته، أعطيته مائة شاة ووليدة، ثم إني سألت أهل العلم، فقالوا: إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، الرسول عليه الصلاة والسلام قضى بكتاب الله، قال: (الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام).

فإذاً الصحابة كانوا يسألون أهل العلم، الذين يخبرونهم بالفتوى الصحيحة، ومن هذا المنطلق نقول في مقدمة هذا الدرس: كيف تسأل أهل العلم؟ نقول يا أيها الإخوة! سنتحدث إن شاء الله عن مسائل أصولية تتعلق بالسائل والمستفتي، وآداب السؤال، والمفتي، وملاحظات على الأسئلة بالهاتف، وأسئلة النساء، وبعض الأسئلة التي فيها أخطاء نلقي عليها بعض الضوء، ولن نتحدث في هذه الليلة أكثر عن خطورة منصب الفتيا ولا عن خطورة القول على الله بغير علم، ولا عن عمل المفتي، وماذا يجب على المفتي؟ هذا أمر طويل جداً، ونحن يهمنا الآن المستفتي أو السائل، فنقول أيها الأخوة: