للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انقطاع الأنساب يوم القيامة]

وروى ابن جرير بإسنادٍ صحيح له حكم الرفع عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [يؤتى بالعبد والأمَّة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رءوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلان، من كان له حقٌ فليأتِ إلى حقه، فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أخيها أو زوجها، ثم قرأ ابن مسعود: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:١٠١]] فهي لا ترحم أحداً ولا يرحمها أحد، وكل واحد يطالب الآخر بحقوقه، كل واحد يحتاج إلى حسنة، ولذلك العلاقة الزوجية لا تشفع، والعلاقة الأبوية لا تشفع، والعلاقة الأخوية لا تنفع، وعلاقة البنوة لا ترفع، وإنما كل واحد يطلب حقه من الآخر ولو كان أقرب الناس إليه، حتى إن المرأة تفرح أن تطالب أباها وأخاها وزوجها بالحقوق التي لها عليهم، [ثم قرأ {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:١٠١] فيغفر الله من حقه ما يشاء، ولا يغفر من حقوق الناس شيئاً]؛ لأن حقوق الناس مبنية على التشاح ولا بد من أدائها في الدنيا أو في الآخرة: [فينصب للناس، فينادى: هذا فلان بن فلان، ما كان له حقٌ فليأتِ إلى حقه، فيقول -يقول هذا الذي عليه الحقوق التي ما أداها، والذي لطم هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا-: يا رب! فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول الله للملائكة: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حقٍ حقه بقدر طُلبته، فإن كان ولياً لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة، ثم قرأ علينا ابن مسعود: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:٤٠] قال: ادخل الجنة، وإن كان عبداً شقياً قال الملك: رب فنيت حسناته -أعطينا أصحاب الحقوق حقوقهم وفنيت حسناته، من أين نعطيهم ولا مال ولا حسنات باقية وبقي طالبون كثير؟ عمال ما أخذوا رواتب، زوجات ما أخذن نفقة، أولاد ما أخذوا كفاية، أقارب ما أخذوا المستحقات، بقي طالبون كثير، ناس مظلومون في العرض، ناس مظلومون في الدم، ناس مظلومون في المال- فيقول: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكوا له صكاً إلى النار].

عباد الله! بماذا تذكرنا الزلازل؟ بهذا اليوم، فلمثل هذا اليوم اعدوا يا إخواني! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يؤدي إلى أهل الحقوق حقوقهم، وأن يتجاوز عنا بمنه وكرمه وفضله، وأن يرحمنا برحمته وعفوه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.