العادة أن الصغير هو الذي يستشير من هو أكبر منه، أو الأقل علماً يستشير من هو أعلم منه وهكذا، لكن لا يمنع أحياناً أن الكبير يستشير من هو أصغر منه، عمر رضي الله عنه وهو خليفة يستشير أناساً فيهم ابن عباس وهو صغير السن، وهذا من ذكاء عمر رضي الله عنه وحسن إدارته للأمور، أنه كان يجمع في مجلس مشورته بين شباب في مقتبل العمر، وبين شيوخ كبار في مجلس واحد، فيجمع بين شدة تفكير الشباب، وخبرة وحكمة الشيوخ.
أحياناً ذهن الشباب ينقدح فيه ما لا ينقدح في ذهن الكبير، لأن الشاب حاد الذهن متوقد وفيه حيوية ونشاط، ممكن أن يأتي برأي لا يستطيع بعض الشيوخ أن يأتي به، وبنفس الوقت بعض الشباب قد يطرحوا آراء متهورة اندفاعية بسبب الاندفاعية التي توجد في طبيعتهم، فلابد أن يوجد هناك شيوخ يقيدون هذه الاندفاعية، ويوجهون هذا الإقدام الشديد بخبرتهم وحكمتهم، وكذلك إذا كانت هناك مجموعة تريد رأياً معيناً فيكفي أن يأتي اثنين بالخبر اليقين، وليس هناك ضرورة في أن تذهب المجموعة كلها وتستشير.
استشارة الوالدين مهمة، لماذا؟ لأن الاستشارة فيها تقدير، فالإنسان دائماً يحرص على استشارة والديه، حتى لو أنه تبين له الأمر وعرف أن مصلحته كذا، لكن من باب تأليف القلوب، إلا إذا علم أن الوالدين قد يأمرانه بأمر ليس مخالف للحق، فقد يكون عدم أخذ رأيهم أحسن، حتى لا تظهر مخالفته بشكل واضح، لكن إذا علم أن والديه لن يشيرا عليه بأمر باطل، فشيء طيب على أن يحرص على أخذ آرائهم دائماً.
وكذلك النساء عليهن استشارة الرجال؛ لأن الرجال أكمل عقلاً وأقوم في الأمور، فالنساء أحياناً قد يحتجن إلى أشياء في طلب العلم أو في الدعوة إلى الله، وقد تأتي أحياناً بين النساء أفكار فيها نوع من الخروج عن المألوف، أو الخروج عما يمكن أن يقبله الناس، أحياناً قد يأتي عند النساء أشياء تطرح بقوة في مجالات معينة لا يمكن أن يتقبلها الناس وليست من المألوف، بل قد تسبب مشاكل في المجتمع، فلذلك لابد أن يكون هناك نوع من الرجوع من قبل النساء إلى الرجال.