[الرد على من يحتج بحديث (المؤمن يزني) في جواز الزنا]
السؤال
هذا والله سؤال عجيب، يقول: واحد يريد أن يزني بامرأة أو يفعل الفاحشة بشخص، فاستدل لإقناع الطرف الآخر بحديث (المؤمن يزني؟ قال: نعم).
الجواب
هناك حديث مشهور أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل: (المؤمن يزني؟ قال: نعم.
المؤمن يسرق؟ قال: نعم.
المؤمن يكذب؟ قال: لا) هذا الحديث فيه ضعف، وإنما الذي صح في هذا الباب أحاديث منها: الحديث الصحيح الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الخيانة والكذب) ولنفترض أن الحديث صحيح، وربما يكون هذا المعنى صحيح فأن المؤمن إذا زنى لا يخرج عن الإسلام، ولا ينتفي عنه الإيمان كله، ولكن ينقص من إيمانه بقدر المعصية التي فعلها.
ولكن هل هذا مبرر لمن يزني؟ كون الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بالكلية إذا زنى، وأنه يبقى داخل دائرة الإسلام، ويكون مسلماً عاصياً فاسقاً ومرتكب كبيرة، لا دليل فيه على إباحة الزنا، وقضية الاستدلال الخاطئ بالقرآن والسنة هو منهج أهل البدعة ولاشك.
ولذلك كان من منهج أهل السنة والجماعة صحة الاستدلال، ليس الأمر أن تأتي بآية أو حديث، لكن المهم أن تأتي لي بهما في المكان المناسب، وإلا فإن كثيراً من أهل البدع استدلوا لصحة مذاهبهم بأدلة من القرآن والسنة الصحيحة، لكن الموضع الذي استشهدوا به خطأ، ومن ضمنهم الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، استدلوا بأشياء من القرآن.
بعض الفتيات تضع قصة خطبة خديجة للرسول صلى الله عليه وسلم ومحادثة الرسول صلى الله عليه وسلم مع خديجة، حجة في جواز محادثة الفتيان والمعاكسات في الهاتف، وانظر كيف الاستدلال! والله لو أن الشيطان يريد أن يفكر فيها يمكن ألا يتوصل إليها.
ومن هذا الباب استدل أحد الناس النشالين بقوله عز وجل: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح:٧] قال: فانصب، أي: انصب واسرق، فإذا فرغت أي: إذا فرغت جيوبك من الفلوس فانصب على العالم.
ومن هذا الباب ترجم أحد المستشرقين الفرنسيين القرآن إلى اللغة الفرنسية، فلما جاء في قوله عز وجل: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣]، والمعنى: إذا جامعت زوجتك أو ما ملكت يمينك ولم تجد ماء وأنت تريد الصلاة فتيمم، فلما جاء يترجم (أو لامستم النساء) قال: وهذا دليل على إباحة الإسلام للزنا؛ لأنه قال: لامستم النساء، وهي عامة، إذاً فالإسلام يبيح الزنا، انظر إلى خبث المستشرقين.
وكما قاس مصطفى محمود على قول الله عز وجل: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:١٧] قال: أفلا ينظرون إلى المرأة كيف خلقت، فهذا دليل قياس على القرآن.
فإذاً أيها الإخوة: قضية الاستدلال خطيرة جداً، ولابد فيها من العلم، وليس الأمر أن تحفظ من القرآن والسنة فحسب، بل الأهم أن يصح استدلالك بهما، ولذلك عقد العلماء فصولاً وكتباً خاصة في هذا الموضوع، ومما أحيلك عليه: الباب الرابع في كتاب الاعتصام للشاطبي رحمه الله الذي خصصه فقط لقضية الاستدلال، وصحة الاستدلال، ومواجهة أهل البدع في استدلالاتهم الخاطئة من القرآن والسنة.
تعقيباً على هذا الذي يقول: المؤمن يزني؟ فيقول: يجوز هذا، فنقول له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة: (إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه).