للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التخصصات التجريبية]

لا يمكن أن يكون المقصود من العرض السابق: إخراج أصحاب التخصصات الدنيوية من دائرة العلم الشرعي، فالعلم الشرعي مراتب، وما لا يدرك كله لا يترك بعضه، ولا شك أن كثيراً من أصحاب هذه التخصصات الدنيوية يتميزون بعقليات جيدة يستوعبون بها كثيراً من العلم، وإنما كان المقصود: أن تحصيل العلم وطلبه يحتاج إلى تفرغ لا يتأتى مع انشغال أصحاب هذه التخصصات بتخصصاتهم، ولكن لا بد من الإعداد العلمي قدر المستطاع، إذ هلْ نترك هؤلاء الطلاب جهالاً؟ أو يقال لهم: استمروا على قراءة الطب، وكتب الهندسة، واتركوا العلم الشرعي بالكلية، ولا تتفقهوا في دين الله! إن الذي يقول هذا لا شك أنه مخطئ، فكيف ندعو الناس إلى ترك العلم الشرعي بالكلية بحجة أنهم في تخصصات دنيوية.

ولعل الفرصة تتاح لهؤلاء لمزيد من التركيز بعد تخرجهم من هذه التخصصات، حيث ينطلقون إلى شيء من التفرغ الذي يتيح له التأسيس مع وجود بعض الحلق العلمية في البلد، وفي بعض الأماكن.

فإذا تخرج وعنده خلفية، وقراءة واطلاع سابق في العلم الشرعي، فإنه يجد نفسه عنده من الحصيلة ما يساعده على الاتجاه المؤسَّس القوي في المستقبل، بخلاف ما لو أهمل ما يستطيعه من الطلب الشرعي أثناء الدراسة الدنيوية، فإنه سيجد نفسه لو أراد التأسيس فيما بعد غريباً كل الغرابة عن مجال العلم الشرعي، والطالب الجامعي الذكي قد يحصّل في الصيف، واستثمار الأوقات أثناء العام، أكثر مما يحصل طالب في كلية شرعية، أقل منه ذكاء وتوقداً.

وإننا نقول للمهندس الذي يتخرج مثلاً ثم يعمل دواماً حكومياً إلى الساعة الثانية والنصف، ويخرج بعد ذلك متحرراً من ربقة الدوام: إنك تستطيع أن تكون طالب علم جيد ولا شك، وقل مثل ذلك وأسهل بالنسبة للمدرس الذي هو أقل دواماً وأكثر إجازات.

لكننا نقول: إن أخذ الأمور بواقعية مهم، وإن الجمع بين نوعين من الدراسة الشرعية وغير الشرعية فيه صعوبة كبيرة، هذا الذي نريد أن نقرره، ونلفت النظر إليه.

ويوجد نوادر تستطيع الجمع بين الأمرين، وكذلك فإن كثيراً من هؤلاء الطلاب في المجالات الدنيوية يستطيعون خلال العُطَل والإجازات عمل شيء كثير لو أحسنوا استغلال أوقاتهم.

ثم إنك تجد في الواقع أن كثيراً من هؤلاء الشباب لا يتجهون اتجاهاً دينياً واضحاً يؤدي في النهاية إلى الاهتمام بالعلم الشرعي؛ إلا في مراحل من الدراسات الجامعية غير الشرعية، فمتى كانت هدايته لدين الله والالتزام بالإسلام إلا في هذه الجامعة! وبعد ذلك سيحس بأهمية العلم الشرعي، ويُقْبِل على طلبه، فيجد صعوبة في الجمع بين الأمرين، فماذا يفعل وقد قطع مشواراً في هذه الكلية؟! هل نقول لهؤلاء: ما دمتم قد اهتديتم في هذه الكليات الدنيوية آخرجوا بعد سنة أو سنتين أو ثلاث، وانطلقوا إلى الكليات الشرعية، واتركوا ما بدأتموه ولم يبقَ على إتمامه إلا شيء قليل؟ لا شك أن ذلك لا يكون من الحكمة في كثيرٍ من الأحيان.