ومن هذا القبيل ما حدث في زماننا هذا الشيخ صالح بن عثمان القاضي، قاضي عنيزة، شيخ الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، كان قاضياً يقضي في الطريق ويقضي عند بيته ويقبل به الناس، وكان صاحب حلم وورع وتقوى ودقة وخبرة وفراسة، وقد جاءه مرةً رجل يعرفه أنه من أهل الصلاح يعمل جزاراً، وآخر بدوي -شخص آخر بدوي- يقول المدعي هذا: جاءني هذا البدوي وباع علي غنمه، فأعطيته الدراهم حول المغرب، ثم جاءني ثاني يوم في النهار يقول: أعطني ثمن الغنم، فقلت: أعطيتك إياها بالأمس، فقال: ما أعطيتني شيئاً، فذهب إلى الشيخ، وكان القاضي يحمس قهوته.
-ماء يفور على النار ويغليه لأجل القهوة- فقال: يا أيها البدوي! في جيبك دراهم، قال: نعم.
قال: أعطني إياها، فسكب الشيخ القاضي الماء في الإناء ثم طرح الدراهم التي مع البدوي في الإناء فطفا الدهن على سطحها، فقال: يا كذاب! هذه دراهم جزار، إذاً: هو أعطاك ثمنها، فالشاهد الآن أن هذه القرائن التي يعرف بها أهل الفراسة من القضاة وأهل العلم والخبرة يعرفون بها الأحوال فيضعون الحق في نصابه.