ثالثاً: إن هذه التربية الإسلامية هي نهج الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان في سائر طبقات هذه الأمة، فقد كانوا يتعاهدون أصحابهم بمزيدٍ من التربية والعناية لأهدافٍ إسلامية يعلمونها علم اليقين، ويعلمون أن الأمة تحتاج إلى هؤلاء الذين تربوا على هذا المنهاج السديد.
لقد كان لكل صحابي طائفةٌ من تلامذته يختصهم بمزيدٍ من العناية، ولقد انتهى الدين والفقه والعلم في الأمة إلى أربعة أشخاص: عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في العراق، وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المدينة، وعبد الله بن عباس في مكة، كان لكل واحدٍ من هؤلاء الأربعة تلامذةٌ يختصهم بعلمٍ وتربية زائدة عما يعطيه لسائر الناس، ولذلك ترى من تلامذة ابن مسعود مثلاً: علقمة، والأسود، ومسروق، والربيع بن خثيم وهكذا.
وترى من تلامذة عبد الله بن عمر: ثابت البناني، وجبير بن نفير، وخالد بن كيسان وغيرهم.
وترى من تلامذة زيد بن ثابت: قبيصة بن ذؤيب، وأبان بن عثمان، والقاسم بن محمد وغيرهم.
وترى من تلامذة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: كريب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو العالية، وأبو صالح باذام، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، والضحاك، وابن أبي مليكة وغيرهم، فقد كانت هذه هي طريقتهم رضوان الله تعالى عليهم في انتقاء هؤلاء الطلبة الأفذاذ النجباء وتخصيصهم بمزيدٍ من العلم والتفقيه والتربية.
وكان التلميذ يعيش مع شيخه فيقتبس من حسن أخلاقه، وشدة عبادته وكثرتها لله تعالى، وإحسانه في التعليم، ويقتبس من علمه أشياء كثيرة جداً، وهكذا علموها لمن بعدهم، ومن بعدهم كان لهم تلامذة وأتباع وهكذا كان للإمام أحمد وغيره، وشيخ الإسلام ابن تيمية كان له جماعة من أصحابه يأمر معهم بالمعروف، وينهى معهم المنكر، وهذا تلميذه وخاصته من بينهم شيخ الإسلام الثاني ابن القيم رحمه الله كان يسير على نهج شيخه، فترى هذه الثمرة من تلك البذرة التي تعاهدها ذلك المربي، فسقاها بماء الشرع، وحاطها بعناية إسلامية فائقة، فهذه الغرسة نبتت وآتت أكلها وثمارها كل حينٍ بإذن ربها.
وهذا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا العصر كان له أتباعٌ وجندٌ مؤمنون نصر بهم الحق، وأخرج الناس بهم من عبادة الأوثان والجاهلية الأخرى التي طبقت الجزيرة في وقته إلى أنوار التوحيد.