[أحكام الكفارات والقضاء في الصيام]
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، رب الأرض والسماء، وأصلي وأسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والمبلغ عن الله صدقاً، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.
عباد الله: لقد غادرنا رمضان وترك في قلوبنا شيئاً من الحزن وغصة في النفس.
دع البكاء عن الأطلال والدار واذكر لمن بان من خلٍ ومن جار
واذر الدموع نحيباً واضحاً أسفاً على فراق ليالٍ ذات أنوار
على ليالٍ لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لائمي في البكا زدني به كلفاً واسمع غريب أحاديثي وأخباري
ما كان أحسننا والشمل مجتمعٌ منا المصلي ومنا القانت القاري
أي شهرٍ قد تولى يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه بدماءٍ لو عقلنا
كيف لا نبكي لشهرٍ مر بالغفلة عنا
ثم لا نعلم أنا قد قبلنا أو طردنا
ليت شعري من هو المحروم والمطرود منا
ومن المقبول ممن صام منا فَيُهَنّا
كان هذا الشهر نوراً بيننا يزهر حسنا
فاجعل اللهم عقباه لنا نوراً وحسنا
هذا شهرٌ مبارك الذي نحن فيه أيضاً وهو شهر شوال، وعوضنا الله لنا بأشياء، به تبتدأ أشهر الحج (شوال وذي القعدة وعشر ذي الحجة) ويأتي بعده موسم الحج بأشهر الحج دلالة على الاستمرار في الطاعة وحتى لا ينسى الناس العبادة، موسم عظيم بعد موسم عظيم، وفي هذا الشهر -شهر شوال- صوم الست وقضاء الاعتكاف، فقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم عشراً من شوال لما فاته الاعتكاف في رمضان، وربما كان يفوته في الغزو والجهاد، وهو شهر بناءٍ ونكاح وإعفافٍ بالحلال، قالت عائشة: [تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، وبنا بي في شوال، وكانت عائشة تستحب أن تدخل نسائها في شوال] كما جاء في صحيح مسلم.
أيها المسلمون: تذكروا بعض الأحكام الشرعية، من فاته شيءٌ من رمضان كالمسافر والمريض والحائض والنفساء فإنه يقضي بعدد الأيام التي أفطرها لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] فإن كان الشهر ثلاثين وأفطره لزمه ثلاثين، وإن كان تسعة وعشرين أفطره لزمه تسعة وعشرون، ويجوز أن يقضيه متتابعاً أو مفرقاً، وهذا هو الراجح، فإن الله لم يشترط التتابع، وإنما أطلق فقال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤].
وتنبغي المبادرة إلى القضاء، والأولى أن يكون من حين زوال العذر؛ لأنه أسبق إلى الخير وأسرع في إبراء الذمة، ويجوز أن يؤخره حتى لا يكون بينه وبين رمضان الثاني بعدد الأيام التي بقيت، ولا يجوز تأخير القضاء أكثر من ذلك أبداً، ومن فعله فهو عاصٍ وعليه التوبة وكفارة التأخير، ولكن من أخر لعذرٍ فليس عليه شيء، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: [كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان].
ومن شرع في صومٍ واجب كالقضاء أو الكفارة والنذر، فلابد له من إتمامه، وليس مخيراً في الإفطار، ولابد من نية لصيام القضاء من الليل.
واعلموا رحمكم الله أن قضاء رمضان قبل صيام الست: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر) ولو لم يكف شهر شوال للقضاء والست فليبدأ بالواجب، بل إن صيام الكفارة الواجب يقدم على صيام الست، ولا قضاء للست بعد شوال ولكن يصوم من ذي القعدة إذا لم يكف الوقت لاستدراك ما يمكن استدراكه من الخير.
والأفضل النية لصيام الست من الليل خروجاً من خلاف أهل العلم، ولكن من أصبح فصام في الصباح ونوى ولم يأكل شيئاً فصيامه صحيح، ونفله مقبول عند الله عز وجل، والصائم متطوعاً يجوز له أن يفطر أثناء النهار لحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ: يا عائشة! هل عندكم شيءٌ؟ قالت: فقلت يا رسول الله! ما عندنا شيء، قال: فإني صائم، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت له هدية، قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله! أُهديت لنا هدية وقد خبأت لك شيئاً، قال: ما هو؟ قلت: حيسٌ -طعام من التمر والأقط والسمن- قال: هاتيه، فجئته به فأكل، ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً) قال طلحة: فحدثت مجاهداً بهذا الحديث، قال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها رواه مسلم، لكن إن سلمها للفقير فلا يجوز له الرجوع فيها.
فإذاً حثوا النساء على القضاء (الحامل والمرضع كذلك) فالراجح أن عليهما القضاء فقط، أفطرتا عن نفسيهما أو ولديهما، وإن أطعمت مع القضاء أحسن، لكن الراجح أن عليهما القضاء فقط كالمريض، وكذلك نذكر الذين لم يخرجوا الزكاة، بعضهم أخرج جزءاً من الزكاة في رمضان، سارعوا بإخراج بقية الزكاة يرحمكم الله.