قال العلماء: الاستقامة هي لزوم طاعة الله عز وجل، وعليها مدار نظام الأمور، فلا تنتظم الأمور إلا بها، والاستقامة كما عرفها بعض السلف هي:"لزوم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فالاستقامة إذاً هي الدين كله، (قل آمنت بالله ثم استقم)، لم يكتفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الرجل أن يقول آمنت بالله بلسانه فقط، وإنما أمره أن يستقيم على هذا الإيمان.
أيها الإخوة: إن معرفة الحق ممكنة، يمكن للناس أن يعرفوا الحق في أمور كثيرة، وأن يلتزموا به يوماً من أيامهم، ولكن المشكلة هي الثبات على هذا الحق الذي عرفوه، وهذا الإيمان الذي وصلوا إليه، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[الأحقاف:١٣] على هذا الإيمان، وعلى هذه المقولة.
أيها الإخوة: من الجوانب التربوية التي يحرص الإسلام عليها، أن يجعل المسلم يسير على طريق مستقيم، ويدله عليه بالآيات والدلائل والبينات والأنوار التي تضيئ للمسلم الطريق، ولكن من الناس من يسلك هذا الطريق فيكمله حتى النهاية، ومنهم من يسلك هذا الطريق فيتعثر فيه ثم يعاود النهوض، فيمشي ثم يتعثر فيجلس ويقعد، ثم يقوم ويمشي ويتعثر، ثم يقوم ويمشي وهكذا، خطوات فيها تردد، ومشي فيه تباطؤ.
ومن الناس -والعياذ بالله- من يسلك الطريق من أوله ثم ينكص على عقبيه فيرتد إلى طريق الضلالة والعياذ بالله.
إذاً: من هنا نستطيع أن نعلم لماذا قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[الأحقاف:١٣]، ثم استقاموا على هذا الطريق (قل آمنت بالله ثم استقم)، واصل المشوار، دون تلكؤ ولا تباطؤ.
وهذا المشكلة داء كثير من المسلمين، لا يعرفون المواصلة ولا الاستمرارية على الطريق الذي سلكوه، وقد يصرف بعضهم جهداً كبيراً حتى يصل إلى الطريق، فإذا ما وصل إليه تقاعس وهبط ولصق بالأرض وطينتها ومادياتها وزينتها وزخرفها.
أيها الإخوة: إن الاستقامة هي الدين كله، وهي لزوم طاعة الله، ومن هناك كان لابد أن يحدث شيء من التقصير أثناء استقامة الإنسان، ولذلك أمر الله المستقيمين بالاستغفار، فقال الله عز وجل:{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}[فصلت:٦] لماذا قال: (واستغفروه)، بعدما قال: فاستقيموا إليه؟ لأن الاستقامة قد لا تتهيأ كاملة لكثير من الناس، فيجب عليهم أن يستغفروا الله عز وجل إذا استقاموا على الطريق، حتى يُذهب هذا الاستغفار ما حصل منهم ويحصل من التقصير والتفريط.