[وفاته رحمه الله وثناء العلماء عليه]
واستمر هذا الرجل على العطاء، وكان قد دفن كتبه فلما أمن استخرجها مع صاحب له، فقال صاحبه: في الركاز الخمس يا أبا عبد الله! فقال: انتق منها ما شئت، فانتقيت منها أجزاء فحدثني بها.
استمر -رحمه الله- عابداً لربه مستمراً على العهد الذي بينه وبين الله علماً وتعليماً وعبادة حتى جاءه الأجل ووافاه قدر الله سبحانه وتعالى بالموت في البصرة، في شعبان سنة إحدى وستين ومائة للهجرة، وقد غسله عبد الله بن إسحاق الكناني.
قال يزيد بن إبراهيم: رأيت ليلة مات سفيان قيل لي في المنام: مات أمير المؤمنين -أي: في الحديث.
ولم يتمكن إخوانه وأصحابه من الاجتماع للصلاة عليه، فجعلوا يفدون إلى قبره يوم وفاته، ودفن وقت العشاء، وعن بعض أصحاب سفيان قال: مات سفيان بـ البصرة ودفن ليلاً ولم نشهد الصلاة عليه، وغدونا على قبره ومعنا جرير بن حازم وسلام بن مسكين من أئمة العلم، فتقدم جرير وصلى على قبره ثم بكى وقال:
إذا بكيت على ميت لمكرمة فابك غداة على الثوري سفيان
وسكت، فقال عبد الله بن الصرباح:
أبكي عليه وقد ولى وسؤدده وفضله ناظر كالغسل ريان
وقال سعيد: رأيت سفيان في المنام يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده.
وهذا مما روي له من المنامات الصالحة بعد وفاته.
وقال إبراهيم بن أعين: رأيت سفيان بن سعيد بعد موته في المنام، فقلت: ما صنعت؟ فقال: أنا مع السفرة الكرام البررة.
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينك مثل سفيان الثوري حتى تموت.
وقال الأوزاعي: لو قيل لي اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه لاخترت لهم سفيان الثوري.
وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان.
وقال ابن أبي ذئب: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري.
وقال ابن المبارك: ما نُعت إلي أحد فرأيته إلا كان دون نعته -دون الوصف- إلا سفيان الثوري، رحمه الله رحمة واسعة.