ثالثاً: فإن لم يفد الهجران في المضجع، ينتقل بعد ذلك إلى الضرب، قال عز وجل:{وَاضْرِبُوهُنَّ}[النساء:٣٤] وهذا الضرب ليس ضرب انتقام وطغيان، وإنما هو ضرب تأديب وإصلاح، وإذا كان ضرب تأديب وإصلاح وليس ضرب تخريب وعدوان، فمعنى ذلك أنه لن يكون فيه كسر عظم، ولا إراقة دم، ولا ضرب على الوجه -ولا يجوز الضرب على الوجه أبداً- فقد يسبب عاهة، قد يذهب بسمعٍ أو بصرٍ، وبعض الرجال كثيراً ما يخطئون في الضرب، فيتعدى في الضرب، وقد يضرب بسلك، أو حديدة، أو قطعة من الخشب، وقد يكون عنده حزام أسود في الكاراتيه، أو في غيرها من الألعاب، فيمارس بعض ما تدربه على زوجته، فهذا الرجل ظالم ولا شك؛ لأن الضرب بهذه الكيفية ليس هو المقصود، فليس مقصود الشارع الضرب بالعنف، وإنما هو ضرب تأديب وإصلاح.
{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ}[النساء:٣٤] أي: فإذا سلمت المرأة وأطاعت بعد هذه الإجراءات سواءً بعد الوعظ، أو بعد الهجر، أو بعد الضرب {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}[النساء:٣٤] فإذا تركن النشوز فلا يجوز البغي عليهن، ولا يجوز الهجر ولا الضرب ما دامت قد أطاعت ورجعت إلى رشدها، ثم ختم الله الآية باسمين كريمين مناسبين للواقع، قال:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}[النساء:٣٤] فإذا أنت أعلى من المرأة فالله أعلى منك، وإذا أنت أكبر من المرأة، فالله أكبر، فانظر كيف انتهت الآية، قال:{فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}[النساء:٣٤] فانتهاء الآيات مناسبة للموضوع، وما فيها من المعاني وهذه حكمة بالغة وبلاغة قرآنية عالية؛ فيا أيها الزوج لا تبغ؛ فإن هناك من هو أقوى منك، ولا تستعلِ فهناك من هو أعلى منك، ولا تستكبر فهناك من هو أكبر منك:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}[النساء:٣٤].