عباد الله: لما كنا سادة وقادة، كان العالم لنا تبعاً، وكانت لغتنا هي اللغة السائدة، وكانوا يتعلمونها رغماً عنهم، ولا يمكن لهم تقدمٌ إلا بتعلمها، أقبلوا عليها يتعلمونها زرافات ووحدانا، وجاءوا من إيطاليا وغيرها إلى الأندلس ليتعلموا اللغة العربية في الأندلس، وبعثوا البعثات إليها.
يقول بعض المستشرقين: إن أرباب الفطنة والتذوق من النصارى سحرهم رنين الأدب العربي، فاحتقروا اللاتينية، وصاروا يكتبون بلغة القوم القاهرين.
حتى قال أحد القساوسة من النصارى: وا أسفاه! إن الجيل الناشئ من المسيحيين لا يحسنون أدباً أو لغةً غير الأدب العربي واللغة العربية، وإنهم ليلتهمون كتب العرب ويجمعون منها المكتبات الكبيرة بأغلى الأثمان.
وكتب الفارو مقران في عام (٨٥٤م) إلى أحد أصدقائه رسالة يقول فيها: إننا لا نرى غير شبان مسيحيين هاموا بحب اللغة العربية، يبحثون عن كتبها، ويقتنونها، ويدرسونها في شغف، ويعلقون عليها، ويتحدثون بها في طلاقة، ويكتبون بها في جمال وبلاغة، ويقولون عليها الشعر في رقة وأناقة، يا للحزن! مسيحيون يجهلون من كتابهم وقانونهم ولاتينيتهم، وينسون لغتهم نفسها، ولا يكاد الواحد منهم يستطيع أن يكتب رسالة معقولةً لأخيه مسلِّماً عليه، وتستطيع أن تجد جمعاً لا يحصى يظهر تفوقه وقدرته وتمكنه من اللغة العربية.
ثم انقلب الزمان وتغير الحال وانعكست القضية، حق لهم أن يتركوا لاتينيتهم لأجل العربية؛ لأنها أقوى وأعلى وأثمن وأبلغ وأقوى، ولكن هل يحق لنا أن نترك عربيتنا لإنجليزيتهم وهي الأضعف والأتفه والأدنى والأضيق؟! ليس عيباً عليهم أن يتعلموا عندنا في الأندلس، ولكن العيب عندما نستخدم لغتهم وهي الأضعف.