ومن المنهج في طلب العلم، أن كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه، فالعلم منه ما هو ضروري، ومنه ما هو حاجي، ومنه ما هو تحسيني، ومنه ما ليس بعلم أصلاً كما ذكرنا.
ولذلك لما سألوا:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}[البقرة:١٨٩] ما هو سؤالهم؟ قالوا: لماذا يكون الهلال في أول الشهر خيطاً رفيعاً، ثم يمتلأ فيصير بدراً في منتصف الشهر، ثم يعود إلى حالته الأولى؟ فصرفهم الله عز وجل عن هذا الشيء الذي لا ينبني عليه عمل إلى الشيء الذي ينبني عليه عمل، فقال لهم:{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة:١٨٩] فأعرض عما لا يفيد عملاً للمكلف إلى شيء يفيد عملاً، فقال:{هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة:١٨٩].
ولما سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: متى الساعة؟ هذا لا يفيد، والله عز وجل اختص بمعرفته، فبماذا أجاب عليه الصلاة والسلام؟ (ما أعددت لها؟).
ولما جاء صبيغ بن عسل يشوش ويسأل في مجالس العامة: ما هي المرسلات؟ ما هي السابحات؟ فأمسك به عمر فضربه حتى أدماه، ثم نفاه حتى تاب.
فكل مسألة لا ينبني عليها عمل ولا عقيدة، فتركها واجب:(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) مثل الاشتغال بمعرفة الحروف المقطعة، ولذلك قال الشاطبي رحمه الله: كل علم لا يفيد عملاً -سواء كان عمل قلب أو عمل جوارح- فليس في الشرع ما يدل على استحسانه.