[الالتزام وفقدان اللذة والشهوة]
بعضهم يخافون إذا التزموا بالإسلام أن يفقدوا اللذات والشهوات التي يعتبرون أنهم يتنعمون ويتلذذون بها، مثلاً: إنسان غارق في الشهوات، فعندما تعرض عليه الالتزام بالإسلام؛ يخشى في نفسه أن يفقد هذه اللذائذ والشهوات، فيرفض الالتزام؛ لأنه يخشى أن يفقدها.
أولاً: لتوضيح حال هؤلاء الناس أضرب الآن مثالاً واقعياً من الحياة.
شُوهد إنسانٌ ما وهو يمسك الهاتف ويغازل به النساء، فقال له إنسان بعدما انتهى: يا أخي! لماذا لا تصلي؟ فقال هذا الرجل: كيف أصلي وأنا عندي موعد مع فتاة بعد ساعتين؟ الآن من الذي منع هذا الرجل من الصلاة، هو الآن رجل صاحب شهوة، وجالس يركض وراء تلبية شهواته.
فلذلك تجد في عقله تناقضاً، كيف أصلي وبعد ذلك أذهب إلى شهواتي! فلذلك تصعب عليه القضية فماذا يترك؟ للأسف! لا يترك الشهوة بل يترك الصلاة، لأنه يعتقد أن هذه الشهوة حائلٌ بينه وبين الالتزام بالإسلام، ولا يجتمع في عقله ولا في نفسه صلاة مع اتباع الشهوات.
هذا الإنسان علاجه كما قال الله تعالى في القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:٨٢] القرآن فيه أنواع كثيرة من الشفاء للشهوات، منها -مثلاً- قصة يوسف عليه السلام، كيف صبر على شهوته.
هذه القضية عندما تعرض على هذا الرجل، وعندما يقرأ هذه القصة يتعظ منها، وتكون نوعاً من الشفاء للمرض الذي في نفسه، فهذا الإنسان يذكَّر بالله عز وجل: كيف يبيع العاقل الجنة بشهوة ساعة؟! فنقول: أنت -يا أخي- الآن عندما تقول: أنا لا يمكن أن أصلي، وأنا -الآن- على موعد من هذه المواعيد المحرمة، لماذا لا تصلي؟ الآن إذا لم تصل بالكلية تصبح كافراً، وتخلد في النار، فهل الأحسن لك أن تصلي حتى لو ارتكبت هذا المنكر أم لا؟ بعض الناس واقعين في منكرات؛ فيريدون أن يتحللوا من سبب أنواع الطاعات، بحجة أنه واقع في هذه الشهوات، وأنه لا يستطيع أن يقاوم نفسه، وما دام أنه واقع فيها كيف يؤدي الطاعات؟ فيترك الطاعات.
فهذا الرجل يقال له: أنت يا أخي صلِّ، ولعل الله أن يهديك بهذه الصلاة، فتنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر، وكم من أناسٍ كانت بدايتهم مع الصلاة بداية لهجر المعاصي والمنكرات، إذا هم أخلصوا فيها وعرفوا معنى الخشوع، ومعنى إقامة الصلاة على حقيقتها، في فروضها، وشروطها، وواجباتها، وسننها، وما يترتب عليها، وحال العبد فيها مع الله عز وجل، والإنسان إذا صلى صلاةً صحيحة؛ فإنه لا بد أن صلاته ستنهاه عن الفحشاء والمنكر، والذي يرتكب هذه الشهوات، لا يعتبر إنساناً كافراً، أي: الذي يزني ليس بكافر.
فالذي يزني أو الذي يرتكب شيئاً من الشهوات، هذا لا يعني أنه كفر ولا ينفع معه عمل صالح.
انظر إلى هذا الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زنا العبد؛ خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه) فإذا أقلع عن الذنب رجع إليه إيمانه.
فلذلك يجب أن يفهم الناس جميعاً، أنهم لو وقعوا في بعض المنكرات، فهذا لا يعني أنه لن تقبل أعمالهم الصالحة الأخرى.
فيا أخي! لا بد أن تصلي، ولكن لا نفعل كما فعل رجل من الناس، فقد كان هناك اثنين من الفسقة جاء وقت الصلاة فقال الأول: أريد أن أصلي.
فقال الثاني: أنا لا أريد أن أصلي، وكل واحد منهما يعلم حال الثاني من الجرائم التي كانوا يقعون فيها، فسمعهما ثالث يقول أحدهم للآخر: ازنِ وصلِ، نحن لا نقول مقالة هذا الرجل، نقول له: يا أخي! صلِ الصلاة كما يريدها الله عز وجل، وإن صلاتك لا بد أن تنهاك عن الفحشاء والمنكر؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] ولا بد أن تجاهد نفسك.
والرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الشاب وقال: أنا أبايعك على كل شيء، لكن اسمح لي بالزنا، فلم يرض الرسول صلى الله عليه وسلم منه هذا، لكن لا بد أن يجاهد الإنسان نفسه، والله عز وجل من سلك سبيله يهديه وييسر له الأمر، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:٥ - ٧] فالله عز وجل ييسر للعباد الذين انتهجوا سبيله، ييسرهم لليسرى وللحق، ويسهل عليهم التمسك بالحق.
فإذاً: الذي يقول: أنا كيف أشرب الخمر وأصلي هذا تناقض وأنا لا أحب التناقض! نقول له: صحيح أن التناقض شيء مزعج ومؤذي، لكن هل الحل أنك تختار شرب الخمر وتترك الصلاة؟! أي: هل هذا علاج التناقض عندك؟ أم أنك تصلي وتلتزم بأحكام الدين، وتحاول أن تتخلص من هذه المنكرات، كما أمر الله عز وجل، جاهد ولا تقل: أنا حاولت لكني فشلت، وهو لم يحاول ألبتة.
أيها الإخوة! بعض الناس مستعد أن يلتزم بالأحكام التي لا شهوة فيها مستعد أن يطلق لحيته، ويقصر ثوبه، ويصلي في المسجد؛ لكنه لا يستطيع أن يترك النظر إلى المرأة الأجنبية؛ لأنها مسألة متعلقة بالشعور، يشق عليه أن يترك ويعتزل الشهوات، ولكنه مستعد أن يلتزم بأحكام كثيرة من أحكام الدين.
أيضاً: هذا نفس الكلام الذي ذكرناه {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:١٠١]، فهذا الإنسان يعتصم بالله عز وجل، ومادام أن الباب مفتوح ويجاهد نفسه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] كذلك على مستوى النساء، تجد المرأة مستعدة أن تصلي وتزكي وتصوم وتفعل أشياء كثيرة، لكنه إذا أتيت إلى قضية الخروج بين الرجال، ووضع الزينة والمكياج وهذه الأدوات والمنكرات للفت أنظار الرجل إليها لا تستطيع أن تترك هذه الشهوة.
وقد رأينا أناساً من هذا القبيل، ترى المرأة تصلي وربما تبكي وهي تقرأ القرآن، وفي رمضان وو وإلخ، ولكن إذا أتيت إلى ترك الزينة، والتبرج، وعدم لفت أنظار الرجال إليها لا تقوى على هذا؛ لأن القضية شهوة، هذه المسائل علاجها بمجاهدة النفس، ليس هناك علاج سحري، لكننا نقول: لا تُترك الطاعات الأخرى من أجل هذه المنكرات، ولا بد من مجاهدة النفس بالتخلص من هذه المنكرات.