للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتشال رجل حيِّ من بين الأنقاض بعد مرور أربعة أيام

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليم، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

كان من العبر التي حدثت في ذلك الزلزال -أيها الإخوة- مما رأيتم وقرأتم ذلك الرجل الذي خرج من تحت الأنقاض والحطام بعد مرور أربعة أيام، تأمل في قدر الله سبحانه كيف يحيي ويميت، يحيي من يشاء ويميت من يشاء، وينقذ من يشاء ويهلك من يشاء، تلك العمارة المرتفعة التي سقطت على من فيها من الأحياء وهم بداخلها وتحتها، تأمل كيف نجى الله منها رجلاً حتى لا يقولن أحد: إنهم كلهم يموتون ولا ريب، ولا يقطع أحد بحياة حيٍ، ولا بموت ميت؛ لأن الأقدار مكتوبة والأعمار عند الله معلومة، لا يتخطى شيءٌ شيئا: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] بعد مرور أكثر من ثمانين ساعة على انهيار العمارة في الزلزال عُثر على أحد سكانها حياً تحت الأنقاض، وانتشل وسط ذهول أفراد قوات الإنقاذ والدفاع المدني وجموع الناس المتحلقين حول الأنقاض، الذين أخذوا يصيحون: الله أكبر الله أكبر، والناس لو ترك بينهم وبين الدين يرجعون إلى الفطرة، فيوحدون الله لما يرونه أمامهم من الآيات، فوجئ رجال الإنقاذ بصراخٍ شابٍ ينبعث من تحت الأنقاض، يستغيث بالإنقاذ، يطلب الإنقاذ، وأعطي زجاجة ماء، وبعض الإسعافات، ثم أخذ يذكر أن والدي لم يكن موجوداً معي في العمارة وقت الحادث، فهل هو حيٌ أم ميت؟ فلما خرج قال: كان يوجد شخصٌ بجواري يفصلنا دولاب خشب، وكنا نتعامل بالطرق على الدولاب لكنه مات قبل ساعات، عند وقوع الزلزال كنت في الشقة مع والدتي وزوجتي وبنتي، ولما اهتزت العمارة في الهلع والذعر فتحنا باب الشقة وخرجنا على أمل أن نهبط على السلم، إلا أن العمارة قد انهارت في لحظات وتشابكت أيدينا ووجدنا أنفسنا في مكانٍ ضيق ومظلم، تحسسناه فإذا بنا وسط ركامٍ وأخشابٍ وطوب ورمال، وشعرت أن قدمي محشورة وسط هذا الحطام، وتحدثنا مع بعضنا البعض، ما الذي جرى؟ وهل سنخرج من هذا المكان، أم أن هذه هي النهاية المحتومة؟ تساؤلات وخواطر كثيرة كانت تمر، وبعد أن استوعبت ما حصل وبعد ساعاتٍ قليلة كنت أسمع أنين الضحايا بقربي في أماكن مختلفة، وكان هذا الأنين يتوقف تدريجياً لأنهم فارقوا الحياة، وشاهدت بعيني والدتي وهي تحتضر وتفارق الحياة، وكذلك ابنتي الصغيرة، ثم زوجتي وكانت هذه أصعب لحظات تمر عليَّ في مثل هذه الظروف، واضطررت أن أشرب من بولي بعد ما شعرت بالعطش الشديد، وكان قلبي يتمزق لرؤية من مات من الأقرباء، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟ أُخرج الرجل من تحت الأنقاض بعد مرور ساعات طويلة قرابة أربعة أيام، لم يكن يتوقع أحد وجود حي تحت هذا الركام، لكن لنعلم أن الله على كل شيءٍ قدير، أربعة أيام يجلس تحت الأنقاض ليس عنده إلا بوله يشربه فقط.

فإذا أراد الله أن ينجي أحداً نجاه، وإذا أراد الله أن يهلك من يشاء أهلكه، إن في ذلك لآيات، يا أيها الناس! إن في ذلك لآيات، هذه فيها عبر، لكن أين المعتبرون؟ ولو جلسنا نتتبع الأخبار وأصحاب المآسي، وعندهم أحداثٌ أخرى وقصص لم نسمعها، لكن يبقى الدرس الكبير أن الله يفعل ما يشاء، ويبقى الدرس الكبير أنه يجب علينا أن نعود إلى الله، ونتمعن فيما أصابنا، ويبقى الدرس في أن نقف بجانب إخواننا، أن تشمت بكنيسة انهارت نعم، أو بنصراني أجل، أو فاجرةٍ أو فنانةٍ قد انهد بيتها، لكن بإخوانك المسلمين هذا لا يجوز قطعاً.

ثم يسأل بعض الناس يقولون: ما حكم إعطاء الزكاة لمن أصابهم هذا الزلزال؟ ف

الجواب

أن ذلك جائزٌ إذا كانوا لا يملكون شيئاً، صاروا فقراء معدمين بعد أن ذهبت ممتلكاتهم كلها، وكانوا مسلمين، ووجدت الطريقة الآمنة الصحيحة الموثوقة لإرسالها إليهم، فإذاً أَرسل زكاتك إليهم -يا عبد الله- فإنهم من المستحقين، ونحن ندعو الله سبحانه وتعالى لمن مات في ذلك المصاب من المسلمين أن يتغمده برحمته.

اللهم ارحمهم واغفر لهم، اللهم اجعلهم في قبورهم من الآمنين، واجعل ما أصابهم من المحنة تكفيراً عن ذنوبهم يا رب العالمين، واجبر مصاب أقربائهم وإخوانهم يا أرحم الراحمين، اللهم عوض من أوذي من المسلمين خيراً، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في بيوتنا آمنين.