من أسباب انهيار الأسر: فقدان العاطفة، فلا يوجد حنان ولا مشاعر صادقة في البيت، لا عطف من الأب ولا حياء من الأم، الأب يأتي من الوظيفة يأكل ويشرب وينام، وعنده (شلة) السهرة، والأم موضات ومواعيد وأزياء وسهرات، ولا وقت لديها لإلقاء النظرة على أطفالها؛ لأنها وكلتهم إلى الخادمة، أما اللاتي يشتغلن ويعملن فالعمل يرهقها، والمرأة ضعيفة، ومشاكل العمل تؤثر في تلك النفسية العاطفية المرهفة الحساسة، فهي منشغلة في مشكلات العمل ولا تجد وقتاً حتى لإلقاء نظرة على الطفل قبل أن تغادر البيت، بل صرحت بعض الأمهات أنهن قد مللن من الأولاد، ومللن من الأبناء، ولا قدرة لها على أن تنظر في حالهم، والأب يقول: الأولاد لا ينقصهم شيء: أكلهم أحسن أكل، وشرابهم أحسن الشراب، ونشتري لهم أحسن الملابس، وأفخر أدوات المدرسة، وأحدث ألعاب الكمبيوتر.
لكن يا أيها المسكين! يا أيها الأب المغفل! ينقصهم شيء واحد: حنان عاطفة صلة أبوية تربية، هذا الذي ينقصهم، أنت تنفق على الجسد، أنت تغذيه بالطعام وتكسوه بالثياب وتعطيهم الألعاب، لكنك ما أعطيتهم شيئاً مهماً يحتاجون إليه، ما أعطيتهم عطفاً ولا حناناً، ولا جلست معهم ولا قعدت بينهم، ليس المهم أن تشتري الألعاب وترميها إليهم، لكن لاعبهم أنت، ليشعروا أن هناك أباً موجوداً في البيت، تابعهم أنتَ ليلمسوا شخصيتك بينهم، قال الله عن يحيى:{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}[مريم:١٢] النبوة والعلم، وماذا آتيناه أيضاً:{وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً}[مريم:١٣].
إذاً: من منة الله على يحيى أنه آتاه حناناً، بل وحناناً من لدنا، وحنانا: أي عطفاً وشفقة ورحمة في قلبه، وكان تقياً، هذا الحنان الذي جعله كما قال الله:{وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً}[مريم:١٤].