للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العاهات البدنية ومنظار الشرع إليها]

أيها الإخوة: ما هو رأينا في رجل مشوه الخلقة، ربما يكون دقيق الساقين، أو أسود البشرة، أو أعور أفحج، أو أنه مشلول، أو مجدوع الأنف والأطراف ونحو ذلك؟! كثير من الناس ينظر إليه بازدراء؛ لأن خلقته مشوهة، ينظرون إليه من منظار النقص، ولكن المسألة ليست بالشكل ولا بالصورة، وإنما هي بالتقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على إيضاح هذا المفهوم، فروى الإمام أحمد رحمه الله في الحديث الحسن عن ابن مسعود: (أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟! قالوا: يا نبي الله! من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد) ساقا ابن مسعود الدقيقتان النحيلتان أثقل عند الله في الميزان من جبل أحد.

وفي رواية لـ أحمد أيضاً، عن أم موسى قالت: (سمعت علياً رضي الله عنه يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود، أن يصعد شجرة فيأتيه منها بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة، فضحكوا من حمشوة ساقيه -أي: دقة أقدامه وصغرها- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مِمَّ تضحكون؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد).

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون له هذا الفضل، فقال حذيفة رضي الله عنه: [إن أشبه الناس هدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته حتى يرجع -فلا أدري ما يصنع في أهله- كـ عبد الله بن مسعود، والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلفت نظر الناس إلى هذا الأمر، وأن القضية ليست بجمال الصورة، وإنما هو بالإيمان الذي وقر في القلب، فروى أحمد رحمه الله في الحديث الصحيح عن أنس: (أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً، كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن زاهراً باديتنا، ونحن حاضروه).

قال في مرقاة المصابيح في شرح الحديث: أي نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته من أنواع النباتات، يجلب إلينا أشياء لا تكون إلا في البادية ليست عندنا، ونحن نعد له ما يحتاج إليه من البلد.

(وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلاً دميماً، قبيح المنظر والخلقة ليس فيه جمال، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول -ممازحاً لـ زاهر -: من يشتري العبد؟! فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً -من يرغب فيّ؟ ومن يطمع في شكلي؟ - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد) أو قال: (لكنك عند الله غالٍ) فتأمل كيف لفت النظر إلى هذا الشيء.