المخاليق إذا احتاجوا إلى أمور يجب أن يوجبوها على أنفسهم، فيحرمون على أنفسهم ما يضرهم، ويوجبون على أنفسهم ما ينفعهم بعملية تُعرف بالتعاقد والتعاهد، وهذا يسمى الدين المشترك، والرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك بقوله:(لا دين لمن لا عهد له) فالدين المشترك بين جميع بني آدم هو التزام الواجبات والمحرمات بالوفاء بالعهد، وهذا قد يكون فيه منفعة، وقد يكون فيه مضرة، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام:{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}[يوسف:٧٦] الدين المشترك الذي كان يحكم الناس في ذلك الوقت، ولما كان لابد لكل آدمي من اجتماع، ولابد في كل اجتماع من طاعة ودين، ترى حتى المجتمعات الكافرة بدون نظام لا يمكن أن يعيشوا، وبدون دين مشترك لا يمكن أن يعيشوا، فإذا وجدت دولة أو مجموعة من الناس موجودين في مكان أو في بلد أو في قرية، فاعلم أن بينهم ديناً مشتركاً، وأن هذا مبني على العقود والعهود الموجودة بينهم.
وأنه لا يمكن أن تستقيم حياتهم إلا بهذه العقود والعهود التي تحافظ على المنافع وتمنع المضار، ولو أتيت بكافر يمكن أن يقول هذا الكلام، وإذا علمنا هذا فهذا معلوم من الواقع.