وإذا تأملت في بعض المجتمعات الحيوانية، لوجدت أن بعض المجتمعات الإنسانية فيها شبه من تلك المجتمعات الحيوانية، فأنت إذا أخذت النحلة، فإن مجتمع النحل مجتمع عجيب، وذلك أن لها أميراً ومدبراً وهو اليعسوب، وهو أكبر النحل جسماً، وأحسنها لوناً وشكلاً، وتجمع الإناث فراخها عند الملك فيخرج بها إلى المرعى من المروج والبساتين والمواقع، في أقصر الطرق وأقربها، فتجتني منها كفايتها، فيرجع بها الملك، فإذا انتهوا إلى الخلايا وقف عند بابها ولم يدع نحلة غريبة تدخلها.
فإذا تكامل دخولها، دخل بعدها وتواجدت النحل في مقاعدها وأماكنها؛ فيبتدئ الملك العمل كأنه يعلمها إياه، فيأخذ النحل في العمل ويتسارع إليه، ويترك الملك العمل ويجلس في ناحية يشاهد النحل كيف تعمل ويراقبها في عملها، فيأخذ النحل في إيجاد الشمع من لزوجات الأوراق، ثم تنقسم النحل فرقاً، فمنها فرقة تلزم الملك لا تفارقه، ومنها فرقة تهيئ الشمع وتصفيه، ومنها فرقة تبني البيوت، وفرقة تسقي الماء، وفرقة تحمل على متونها، وفرقة تكنس الخلايا وتنظفها من الأوساخ.
وكذلك أيها الإخوة! من عجيب أمر النحل أنها تقتل الملوك الظلمة المفسدة، لا تدين لطاعتها، وتقتل النحل الكسلان، حتى لا يعديها بطبعه، وهكذا بعض المجتمعات البشرية قد أوجدها الله سبحانه وتعالى وهيأها، لتسير خلف قائد ومربٍ تتعلم منه، وهو يراقب الأفراد ويعتني بهم، ويكفلهم ويرعاهم، وكذلك يقسمون العمل فيما بينهم حتى يعمل كلٌ منهم فيما يجيد فيه من العمل، مجتمع دءوب مثل مجتمع النحل، مجتمع منظم مثل مجتمع النحل، مجتمع يرفض الكسل ويعمل بدون توانٍ، يخطط وينظم في هندسة جيدة، كما أوجد الله ذلك في النحل، فيكون نتاج هؤلاء الناس عسلاً مصفى من وحي التربية القرآنية، والتربية المحمدية التي هي تطبيق للقرآن، كما خرج نتيجة العمل من ذلك النحل ذلك الشراب المصفى الذي فيه شفاء للناس، ولكن النتاج الذي يكون فيه شفاء القلوب أفضل وأعلى من النتاج الذي يكون فيه شفاء الأبدان.