لما أخرج خبيب خارج الحرم ليقتلوه، وكانوا لا يقتلون داخل الحرم قال: دعوني أصلي ركعتين، فكان أول من سن الركعتين عند القتل خبيب رضي الله عنه، فمن السنة لمن يُقدم للقتل أن يصلي ركعتين، سواءً للأعداء أو لقتل القصاص أو أي قتل، فلما صلى ركعتين قال لكفار قريش - وهذا طبعاً من الحرب النفسية عليهم- لولا أن تروا أن ما بي جزعٌ من الموت لزدت، أي: أخشى إن صليت أربع وست وعشر تقولون: هذا خائف من الموت وجالس يؤخر القتل بالصلاة، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا - أي: متفرقين- ولا تبق منهم أحداً، ومن ثم قال: اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه.
وكذلك وقع في رواية: فلما رفع على الخشبة، استقبل الدعاء، فلبد رجلٌ في الأرض خوفاً من دعائه، واحد من الكفار التصق بالأرض، ونزل مباشرة فقال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، فلم يحل الحول ومنهم أحدٌ حي -وهذه كرامة أخرى- كلهم ماتوا غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض.
وقال معاوية بن أبي سفيان كنت مع أبي فجعل يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب، لأنه يدعو على هؤلاء، فهذا نزل لكي لا يكون من هؤلاء، فيقول معاوية: جعل أبو سفيان يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب، وكانوا يرون أن الدعوة في الحرم مستجابة، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام بلغه سلام خبيب ورد عليه السلام، المهم أنه نظم هذه القصيدة العظيمة الأبيات:
ما إن أبالي
أو في رواية أخرى
فلست أبالي حين أقتل مسلماً
وقيل إنه قد قال قبل ذلك:
لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمعِ
إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
في ثلاثة عشر بيتاً ساقها ابن إسحاق، ومنهم من يُنكر نسبتها لـ خبيب، ولكن قد ثبت في صحيح البخاري أنه قال هذه الأبيات:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي شقٍ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
أما الأوصال: جمع وصل وهو العضو، والشِلو بكسر السين: هو الجسد، والممزع: المقطع، فهو يقول: لست أبالي إذا قطعوا جسدي قطعة قطعة، ما دام ذلك في سبيل الله.
ثم قام إليه بعد هذه الأبيات عقبة بن الحارث فقتله، وقيل إنهم لما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه: أتحب أن محمداً مكانك؟ قال: لا والله العظيم، ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه.