للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الخجل والحياء]

الحياء: خلق جميل يبعث على فعل المحمود وترك المذموم، وهو خير كله، لكن إذا كان شيء يؤدي إلى ترك تعلم الدين والأحكام الفقهية التي يحتاج إليها الإنسان أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا مر به الإنسان فهذا لا يسمى حياءً وإنما هو خجل مذموم، ولذلك قال العلماء على هذا: يحمل عبارة من قال: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، فليس هذا موضع الحياء، أن تحتاج إلى جواب في مسألة شرعية فتستحي، هذا ليس حياءً شرعياً.

عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى قال لـ عائشة: (إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي منك، فقالت: سل ولا تستح فإنما أنا أمك -لأنها أم المؤمنين- فسألها عن رجل يغشى ولا ينزل؟ -الرجل يجامع أهله ويطأ لكن من غير إنزال، أي: هل عليه غسل أم لا؟ - فقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أصاب الختان الختان فقد وجب الغسل).

إذاً: إذا أولج ووطئ ومس الختان الختان فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل، فبينت له الحكم.

وقالت عائشة رضي الله عنها: [نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين] لكن الإنسان أحياناً لا يستطيع المواجهة لظرف وسبب، فلا يسكت على جهل وإنما يوكل غيره في السؤال، كما فعل علي رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذاءً -أي: كثير المذي- فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم -لأنه كان يغتسل رضي الله عنه من المذي حتى تشقق ظهره من شدة البرد- فقال عليه الصلاة والسلام لما سأله المقداد، فقال: فيه الوضوء، يغسل ذكره وأنثييه، ويزيل ما أصاب الثياب منه ويتوضأ، هذا هو حكم المذي.

لماذا استحيا علي من السؤال المباشر؟ قال علي في الرواية: [كنت رجلاً مذاءً، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني]؛ لأن بنت العالم تحته -عنده فاطمة - يستحي أن يقول: إنني امرؤ مذاء من عنده بنت النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك استحيا أن يسأل، لكن هل سكت على جهل؟ كلا.

وإنما طلب من غيره أن يسأل له وهكذا وقع وأخذ الجواب.

وكذلك أيها الإخوة: النهي عن المنكر إذا رأيت منكراً أمامك، كثير من الناس لا ينكر المنكر، ويقول: استحييت وما استطعت أن أتكلم، هذا ليس بحياء، هذا خجل مذموم، وهذا ذل ومهانة وضعف وعجز، هذا يُلام عليه ويؤاخذ به، الله سبحانه وتعالى أحق أن يستحيا منه، ينبغي إذاً أن تجهر بالإنكار وتعلن الإنكار؛ وهكذا كان الأئمة وأهل العلم.

قال ابن مهدي رحمه الله عن سفيان الثوري: ما كنت أستطيع أن أنظر إلى سفيان استحياءً وهيبة منه، ومع ذلك فكان في مواقع الحمية والغضب لدين الله لا يعرف الاستحياء من الحق، حتى قال يحيى: "ما رأيت رجلاً قط أصفق وجهاً من الله عز وجل من سفيان الثوري "، أي: إذا صار الجد والإنكار أصفق وجه -أسمك وجه- أمام أهل المنكر.

ولذلك أنكر على المهدي أموراً جساماً، حتى قال وزير المهدي: تتكلم على أمير المؤمنين وأنت بحضرته بمثل هذا الكلام، فقال سفيان: اسكت! ما أهلك فرعون إلا هامان، قال: يا أمير المؤمنين! ائذن لي أن أضرب عنقه، قال له الخليفة: اسكت ما بقي على وجه الأرض من يستحيا منه غير هذا.