من مظاهر عدم الجدية كذلك: تمييع مفهوم الأخوة الإسلامية، وهو فريضة عظيمة، ما هي الأخوة عند كثيرٍ من الناس؟ هي عبارة عن استئناسات وترويحات وتبادل الكلام والارتياحات التي لا معنى لها، وكثيراً ما تؤدي هذه الخلطة الزائدة إلى أضرار سلبية تدمر الأوساط الأخوية، ويتزين بعضهم لبعض، ويثني بعضهم على بعض، ويجتمعون على غير ذكر الله، وصارت الأخوة في الله مجرد شعارات ترفع لا حقائق يعمل بها، فهذا التفريغ لمضمون الأخوة في الله الذي نعاني منه اليوم في أوساط كثيرٍ من الشباب هو مظهر من مظاهر عدم الجدية، أنا لا أجلس الآن مع فلان لأنه يفيدني ولأنه أعلم منى ولأنه ينصحني، لا، أجلس مع فلان لأنني أرتاح إليه ويرتاح إلي، أجلس مع فلان لأن عندي توافق نفسي معه فقط، هذا هو الذي يجمعني معه.
هذه مشكلة واقعية، الآن لو جئت تقول لفلان: من الذي تجلس معه؟ من هو أقرب صديق لك؟ يقول: فلان، لماذا؟ يقول: أنا ارتاح له، فذهب ارتياحك بالفائدة العظيمة التي قد تأتي إليك عندما تبحث عمن هو أفضل منه وأعلم منه، لكن القضية استرسال مع الهوى.
والتعامل بالعواطف لا بالعقل، ولذلك إذا نقحت الجمل التي ينطلق بها هؤلاء لا تكاد تجد فيها كلمة واحدة مفيدة، وإنما هي عبارة عن استرسالات وعواطف وكلام وشجون وأشياء تنطلق وتبث عبر الهواء مباشرةً، يعني: بغير ضبط وبغير تنقيح وبغير نظر في عواقبها وما مدى جديتها.