وكذلك فإن المرأة إذا كانت ذات زوج معسِر، فما هو حقها في النفقة؟ إذا كان معسراً فإن حقها في النفقة ثابت، ويكون ديناً على زوجها، يجب عليه الوفاء به إلا إذا سامحته، ولا شك أن أمور الزواج مبنية على التسامح والمحبة، ولكن الحقوق لا بد من ذكرها حتى يُعرف الحد، وأما بالنسبة لقضية التسامح فإنها لا بد أن تكون هي الطاغية والحاصلة؛ ولا يكون شأن الزوجين التحاكم إلى القاضي في كل صغيرة وكبيرة، ولكن إذا علم كل واحد منهم ما أوجبه الله عليه فإنه يسارع إلى بذله، وكذلك ينفع هذا العلم عند حصول الخلاف، فيعرف كل من الزوجين ماذا يجب عليه.
ثم إن بعض انتهاكات الحقوق الشرعية هي من مسببات الخلاف في الغالب، فتقصير الزوج في النفقة من مسببات الخلاف، خروج الزوجة للعمل من مسببات الخلاف.
انظر إلى مسببات الخلافات الزوجية تَجِد أن أكثرها يعود إلى مُخالَفة هذه الحقوق التي تذكر.
والزوجة إذا غاب زوجها عنها، فإن عليه أن ينفق عليها أثناء غيابه، وأن يرسل لها بالنفقة في غيبته؛ لأنها سلمت نفسها، لكن هو الذي سافر.
وبالتالي فإن زوجة الغائب نفقتها على زوجها، إذا كانت قد سلمت نفسها إليه؛ ولكنه هو الذي سافر عنها.
والنفقة تصير ديناً في ذمة الزوج إذا امتنع عن أدائها، وإذا كان معسراً فإنها تبقى ديناً عليه، وقد قال الله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:٢٣٣] وكلمة (على) تفيد الإيجاب، فأخبر سبحانه عن وجوب النفقة والكسوة، وأطلق ذلك عن الزمان، أي: أنه دائماًَ عليه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق:٧] فإذا وجبت فإنها لا تسقط، لأنها مثل الحقوق، فإنها ما دامت عنده مسلِّمة نفسها يستمتع بها، فالنفقة عليه.