[الشباب والدعوة وبر الوالدين]
نأتي في نهاية المطاف إلى موضوع علاقة الشباب بآبائهم وأمهاتهم في مجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
نقول أيها الإخوة: لا شك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فيها متطلبات، وتحتاج إلى تضحيات وتقديم أوقات وأموال، وكذلك الأبوان يحتاجان إلى بر، ويجب ألا يفصل الشاب بين بر الوالدين والدعوة إلى الله، ويقول: أنا نذرت نفسي للدعوة وطلب العلم، يعني أن الوالدين ليس لهما حق في هذا، هذا خطأ، ويجب أن يكون بر الوالدين داخل في ضمن الدين والعبادة، بل هو كذلك ومنه فلماذا يفصل؟ وبعضهم يقدم طاعة إخوانه والشباب من أصحابه على طاعة والديه في جميع الأحوال وهذا خطأ، ولذلك فإن طاعة الوالدين مقدمة ولا شك.
ونأتي هنا إلى مسألة: إذا قال الأب لولده: لا تطلب العلم، ولا تحضر ولا حلقة؟ فهل يطاع لا شك أن هذا لا يطاع؛ لأن هذا تحكم بلا دليل، وفيه ضرر على الولد بحيث يمنعه من حضور حلق العلم بالكلية، لكن لو قال: اليوم لا تحضر، تعال أريدك؛ يذهب مع أبيه، أما أن يمنعه من طلب العلم بالكلية؛ فهذا لا يطاع.
كذلك لو قال: لا أريدك أن تدعو إلى الله سبحانه وتعالى أبداً؛ فأيضاً لا يطاع فيه.
لكن لو كان له مشوار مع شخص من المدعوين، وحضرت حاجة للأب فيقدم الأب فإن له الحق الشرعي.
كذلك إذا قال له: لا تصحب إخوانك في الله، ولا بد عليك أن تعتزلهم، فهذا الأمر الكلي بالاعتزال لا يطاع فيه؛ لأن فيه ضرر على الولد وفقد الرفقة الصالحة، وربما حصل للولد فيه انتكاسة، ولذلك لا يطاع في هذا.
لكن لو قال: أنت إلى أين ذاهب؟ قال: أذهب مع إخواني في الله.
قال: أحتاجك في الذهاب معي إلى السوق؛ يقدم الأب ويذهب معه إلى السوق، لكن أن يقول: لا تذهب معهم مطلقاً فلا يطاع في هذا.
وينبغي على الشباب والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أن يرفقوا بآبائهم وأمهاتهم، وألا يضغطوا عليهم الضغط الذي يسبب لهم كسر الخاطر، ويسبب لهم الضيق، ولا يفرض عليهم الأمر فرضاً، يقول: ارض بالواقع وإلا أعصيك، إما أن تعطيني الموافقة وإلا أعصيك، فهذا لا يصح أن يفعل مع الأب أو الأم.
ويجب أن نفرق بين رفض الأب والأم شيئاً ضرورياً للابن شرعاً، كطلب العلم والزواج، وبين أن يرفض له أموراً يمكن للابن أن يستغني عنها دون ضرر عليه في الدين، أي: هناك فرق بين أن يرفض للابن أو يأمر الابن بشيء فيه ضرر على نفسه ودينه، وبين أن ينهاه عن شيء فيه مشقة عليه، لكن يمكن أن يتحمل ولا يتأثر منه، فيطاعان فيه.
وعند النظر في أمور الدعوة والتربية؛ فإنك تنظر هل هذا الأمر ضروري بالنسبة لك، وهل إذا لم تفعله تأثم مثلاً أو تتضرر في دينك أو يحصل لك انتكاسة؟ فإذا كان يحصل وليس للأب منفعة أو الأم بأمرهما؛ إذاً لا يطاعان، وتعمل هذه العبادة، وإذا كان لا يحصل عليه ضرر في دينه، ولا يأمرانك أمراً نهائياً كلياً عاماً، وإنما المرة بعد المرة قد تفوت عليك مناسبة حلقة، درس، مرة فهنا تلزم الطاعة.
ويجب أن نفرق كذلك بين أسباب مواقف الآباء إذا منعوا أولادهم من مرافقة أهل الخير، إذا منعه عداءً للدين وأهله قال: أنا لا أحب المتدينين أبداً، لا تمشِ معهم.
هذا ليس له طاعة، قد يخاف على ولده من أمور متوهمة، فهنا الابن يراعي المقصد الحسن للأب؛ لأنه يخاف عليه، يراعي ذلك ما استطاع، وأحياناً يفعل ذلك الأب والأم تحكماً، يقول: لا تفعل كذا لا تذهب مع فلان لا تذهب مع هؤلاء لا تحضر درساً في كذا افعل نفذ، فهذا ذكرنا فيه أن هذا المنع بالكلية لا وجه له شرعاً.
وأحياناً يظن الأب أن المصلحة الدراسية للولد أن يدرس طيلة الوقت وألا يخرج مع إخوانه في الله وألا يحضر مجلس علم ونحو ذلك، قصد الأب ألا يضيع الولد الدراسة، فعلى الولد أن يثبت للأب أنه ليس بمضيع للدراسة، وأنه يقوم بها حتى يتشجع الأب على السماح لولده.
وختاماً: فإنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم البر بآبائنا وأمهاتنا، وأن يجعلنا من القائمين بحقوقهما والعاملين على إرضائهما في طاعته سبحانه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.