فلما كان الغد أرسل رستم إلى سعد أن يبعث إليه رجلاً، فبعث إليه المغيرة بن شعبة، انظر القضية ليست متوقفة على شخص واحد، لا يتوقف عامل المسلمين على شخص واحد، ومهما أراد الأعداء نقدم ونري محاسن هذا الدين، ومحاسن هذا الدين لا ترى إلا بالشخصيات التي تتربى على هذا الدين، كيف نقدم نماذج تفحمهم؟ كيف نقدم للكفرة نماذج ترعبهم؟ كيف نقدم للكفرة نماذج يعلمون منها ما هي طبيعة هذا الدين؟ إلا بشخصيات تربت على هذا الدين، وجاء المغيرة إلى القنطرة، فأجازه زهرة إلى جالينوس فأبلغه إلى رستم، فحجزوه حتى استأذنوا له ولم يغيروا شيئاً من شاراتهم وزيهم الذي كانوا عليه وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، ودعا رستم ترجمانه وكان عربياً من أهل الحيرة اسمه عبود، وأقبل المغيرة يمشي وله أربع ظفائر، وفرق رأسه أربع فرق من بين يديه إلى قفاه، وفرق ما بين أذنيه، وجاء حتى جلس مع رستم على سريره ووسادته، فنخر أخو رستم كيف يجلس على سرير الملك؟ إنها لإحدى الكبر أن يجلس على سرير الملك، ووثب الفرس فترتروه، أي: زعزعوه وحركوه وأنزلوه، ومغثوه، أي: ضربوه ضرباً خفيفاً، قال المغيرة لأخي رستم: لا تنخر فما زادني هذا شرفاً، ولا نقص أخاك!! كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محاربا ًلصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم، ولم آتكم ولكن دعوتموني؛ اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون، وأن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول.
فهذه ثلاثة نماذج في موقعة واحدة من المواقع التي حارب فيها الإسلام، دالة على أن الشخصيات عندما تتلقى التربية في أجواء القدوة الحسنة والعلم الشرعي وأجواء الجهاد والتضحية والبذل ترتقي إلى مراتب عليا تصلح أن تكون سفارات، ترسل إلى الكفرة فيرون فيها عظمة الدين من تصرفات هذه الشخصيات.