[نبذة مختصرة عن أبي هريرة وحاله بعد النبي صلى الله عليه وسلم]
أبو هريرة رضي الله عنه التي وردت قصته في هذا الحديث كان متفرغاً للعلم، يقول أبو هريرة كما روى البخاري في صحيحه:(إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة) دائماً يحدثنا بأحاديث أكثر من غيره، لماذا؟ يقول أبو هريرة معللاً:[وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني، حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير -أي: الثياب المزينة- ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة -قربة من الجلد يحفظ فيها السمن- التي ليس فيها شيء فنشقها ونلعق ما فيها] أبو هريرة رضي الله عنه هذا الرجل الكريم الراوي الذي روى قرابة خمسة آلاف حديث، والذي يعد من أكثر الصحابة رواية على الإطلاق، ما سمع من النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً فنسيه؛ كما دعا له عليه الصلاة والسلام مع أنه جاء في عام خيبر، في آخر العهد النبوي المدني، ومع ذلك فهو أكثر الصحابة رواية؛ لأنه لزم النبي عليه الصلاة والسلام، لم يذهب في تجارة ولا صفق بالأسواق ولا زراعة ولا شيء، كان متفرغاً لسماع العلم، يلزم النبي عليه الصلاة والسلام على شبع بطنه فقط، يقول: أنا أسمع منك ولا أريد إلا الطعام، هذا الرجل العظيم صار أميراً بعد ذلك، أَمَّره عمر رضي الله عنه على مصرٍ من الأمصار.
هل تغير أبو هريرة لما صار أميراً وانفتحت عليه الدنيا، وجاءت الغنائم؟ لم يتغير أبداً، كان يحمل حزمة الحطب على ظهره وهو أمير، ويقول: طرقوا للأمير، أي: خذوا الدرب، أي: خذوا الطريق للأمير، هو يقول بنفسه، وروى البخاري في صحيحه عن محمد قال:(كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخٍ بخٍ، أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويُرى أني مجنون، وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع) فإذا رأيت الإنسان يذكر حال الشدة وهو في حال الغنى فاعلم أن عنصره جيد ومعدنه طيب، لأن بعض الناس إذا ورث شيئاً أو غني بعد الفقر، يقول: ورثت هذا المال كابراً عن كابر، كذلك كان أبي وجدي، وينكر أيام الشدة، وأيام الفقر.
فإذا رأيت الإنسان بالرغم مما فتح الله عليه يذكر أيام الشدة وأيام الفقر، ويقول: كنا في كذا وكانت حالتنا كذا ومنّ الله علينا وأعطانا، فهذا رجل طيب المعدن، جيد العنصر وهكذا أبو هريرة رضي الله عنه، ما تغير ولا تكبر مع أنه فتحت عليه الدنيا.
هذه القصة وبعض ما اشتملت عليه من فوائد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن أحب هؤلاء القوم واتبعهم.